الإصلاح في الأردنية بحاجة للأخذ بآراء كبار الموظفين وأعضاء الهيئة التدريسية لا شك بأن معالي رئيس الجامعة الأردنية الجديد يحظى بثقة وتقدير غير مسبوق من قبل غالبية موظفي وأساتذة الجامعة إلا أن عملية التغيير والإصلاح الشاملة التي من المتوقع أن يجريها رئيس الجامعة بحاجة للأخذ بآراء اكبر عدد ممكن من كبار الموظفين وأعضاء الهيئة التدريسية. ويعود السبب في ذلك إلى التعقيدات الهائلة التي تواجه هذه العملية نتيجة للاعتبارات الأكاديمية والإدارية والاجتماعية والسياسية وغيرها من إشكال الضغوط الداخلية والخارجية. إذ على الرغم من معرفة وإلمام معالي رئيس الجامعة بالكثير من الأمور والمشاكل التي تعاني منها الجامعة الأردنية بحكم معرفته وعمله وخبرته الشخصية في التدريس والإدارة في الجامعة لمدة طويلة إلا أن انقطاعه وإشغاله للعديد من الوظائف العليا السياسية والأكاديمية والإدارية خارج الجامعة في القطاعين العام والخاص لأكثر من عشر سنوات يتطلب من وجهة نظري الحاجة إلى إعادة تواصله المباشر مع كبار الموظفين وأعضاء الهيئة التدريسية في كل كلية والإبقاء على بابه مفتوحا أمام جميع أعضاء الهيئة التدريسية وعدم وضع بعض الأسماء على (البلاك لست) تحت تأثير بعض المتنفذين من الإداريين الحاليين في رئاسة الجامعة. واعتقد أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي تمكنه من التعرف بصورة مباشرة على أوضاع الجامعة الأكاديمية والإدارية التي تساعده على اتخاذ التغييرات والإصلاحات الإدارية والأكاديمية المطلوبة. وهناك ثقة كبيرة في أوساط الجامعة والرأي العام بأن الرئيس الكركي يملك الخبرة والحكمة والقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة إلا أن الأمور معقدة جدا نتيجة للتراكمات السلبية التي سادت في الجامعة على جميع الصعد الإدارية والأكاديمية خلال العقد الأخير.
إن نجاح التغيير والإصلاح في الجامعة الأردنية يعتمد إلى حد كبير أولا: على إعادة الاعتبار للأستاذ الجامعي الذي فقد هيبته واحترامه نتيجة للممارسات الإدارية التسلطية الفاشلة وإقصاؤه من عملية اتخاذ القرار وثانيا على رضا وقناعة أعضاء الهيئة التدريسية في كل الأقسام والكليات العلمية بالتغييرات التي يخطط الرئيس لإجرائها والتي سوف يكون الحكم عليها سلبا أو إيجابا منذ اليوم الأول لإجرائها وأخيرا على إعادة الاعتبار للأنظمة والتعليمات والأعراف الأكاديمية في الجامعية وتفعيلها وتطبيقها في جميع التعيينات الإدارية وعمليات الترقية والتعيين والتدريس والتقييم الأكاديمي والإداري.
إن الآمال المعقودة على الرئيس من قبل أعضاء الهيئة التدريسية وخططه الإصلاحية كبيرة جدا وتتلاءم مع ما رافق تعينه من توقعات عالية داخل الجامعة وخارجها وعلى مستوى الرأي العام. فالرئيس بنظر الجميع جاء كمنقذ للجامعة مما وصلت إليه من تدني غير مسبوق في مختلف النواحي التعليمية والإدارية ويأمل الجميع أن تكون التغييرات والإصلاحات على قدر هذه التوقعات وإلا سوف يصاب الجميع بخيبة أمل كبيرة. لقد تم تصوير مجيء الرئيس الكركي بأنه الدواء الشافي لكل الإمراض التي تعاني منها الجامعة وهناك شبه إجماع على اعتباره الشخصية الوحيدة التي تتمتع بكل المؤهلات الإدارية والأكاديمية والدعم الحكومي المطلوب من اعلي المستويات لتقديم العلاج والجراحة المطلوبة مهما كانت مؤلمة لبعض مراكز القوة والحيتان في الجامعة. ولذلك فان أي تغييرات تقل عن مستوى هكذا توقعات والتي بنيت في جزء منها على معرفة الناس بمؤهلات وشخصية الرئيس وعلى خطاباته في الجامعة وتصريحاته للصحافة سوف تكون بمثابة الكارثة لان ذلك سوف يعني أن لا أمل في الإصلاح في المستقبل القريب. فالأمل معقود على الرئيس من جميع أعضاء الهيئة التدريسية والإدارية في الجامعة والرأي العام لإجراء الإصلاحات المطلوبة على اعتبار أنها الفرصة الفريدة لإصلاح الجامعة وحال الناس يقول إذا كان الرئيس الكركي بكل تاريخه المهني والأكاديمي والسياسي لا يستطيع إجراء التغيرات والإصلاح المطلوب فمن غيره يمكن أن يقوم بذلك؟
نحن نعرف أن الرئيس طلب من العمداء الحاليين تزويده بانجازات كلياتهم وهو إجراء سليم في الظروف العادية وفي أجواء أكاديمية موضوعية ولكن التجربة علمتنا أنهم لن ينقلوا له الواقع الحقيقي في الكليات بصورة موضوعية لا بل سوف ينقلون له الصورة الوردية والانجازات الكمية ويصورون له (البحور مقاثي) كما تقول أمثالنا الشعبية لعل وعسى أن يبقيهم في وظائفهم الحالية. فهل يتوقع معالي الرئيس أن يقول له احد العمداء أنه أنشأ أقساما أكاديمية بدون أعضاء هيئة تدريسية؟ وقام بتوظيف أساتذة في أقسام لا يحملون شهادة الدكتوراه في التخصصات المطلوبة حسب القانون, وإغلق الممرات الرئيسية التي ينتقل عبرها مئات الأساتذة من مكاتبهم إلى مجمع القاعات التدريسية وإجبارهم على اللف حول الكلية دون أي اعتبار لضياع الكثير من وقتهم للوصول إلى محاضراتهم ودون أي اعتبار للظروف والأحوال الجوية صيف شتاء على الرغم من وجود أماكن أخرى في الطابق الأرضي من الكلية كان يمكن استغلالها لهذه الغاية؟ وهل قدم تفسيرات وتبريرات منطقية حول واقع التعيينات الإدارية المخالفة لكل القوانين والأعراف الأكاديمية في الكلية حين أوكلها جميعا باستثناء ثلاثة لأساتذة مساعدين أو مشاركين واستثني منها خيرة الأساتذة في الكلية؟ وهل ذكر في تقريره عن انجازات الكلية وجود حوالي 500 طالب في احد الأقسام الذي لم يبق فيه إلا أربعة أعضاء هيئة تدريسية بعد الموافقة على إجازات التفرغ لأستاذين من ذلك القسم وانه يستعين بأربعة عشر مدرسا من الخارج وان بعضهم لا يحمل ولا شهادة في ذلك التخصص؟ وهل فسر له كيف يمكن أن يرفع هذا الواقع من مستوى الخريجين في الكلية؟ هل ذكر في تقريه بأنه أوصى بإعادة امتحان الكفاءة المعرفية لطلبة الدكتوراه في قسم الاجتماع بناء على اتهامات غير صحيحة وجهها لأعضاء لجنة الامتحان بعدم تصليح أوراق الامتحان؟ وهل ذكر في تقريره انه استغل منصبه وأموال الكلية لتركيب اباجورات حصريا في مكتبه في قسم الجغرافيا (وليس في مكتب العميد) ومكتب مساعد العميد ورئيس قسم الجغرافيا دون غيرهم من الأساتذة في ذلك القسم والكلية وتجاهل طلبات تجديد البرادي الممزقة في مكاتب بعض الأساتذة في أقسام أخرى؟ وهل ذكر له احد نواب الرئيس أن من بين انجازاته وضع تلفونات بعض الأساتذة تحت المراقبة وانه اخبر الطلاب في مكتبه بحضور احد العمداء بأن لديه كشوفات بمكالمات الأساتذة الداخلية والخارجية وانه يريد أن ينظف الكلية منهم؟ وهل ذكر له أنه حرض الطلاب صراحة في مكتبه على الذهاب إلى منزل احد الطلاب لكتابة شكوى جماعية ضد الأساتذة في لجنة امتحان الكفاءة؟ وهل ذكر له انه وعد بعض الطلاب بالنجاح وتعيينهم بالجامعة إذا قدموا شكاوى خطية ببعض الأساتذة؟ وهل اخبروه بأنهم نسبوا بتشكيل لجان تحقيق كيدية لبعض الأساتذة بعد أن أثبتت لجنة تقصي الحقائق حول ذلك الامتحان زيف الادعاءات والمبررات التي قدموها لإعادة امتحان الكفاءة وان هدفهم كان تشويه سمعة الأساتذة؟.
إن المطلب العام لأعضاء الهيئة التدريسية هو أن يوسع الرئيس بابه وصدره والاستماع إلى جميع الآراء دون تمييز أو إقصاء وبخاصة آراء من رفضوا الفساد والواسطة والمحسوبية التي كان يمارسها المتنفذون في الإدارة أو يطبطبون عليه والذين عارضوا التعيينات التي تمت على أسس واعتبارات غير موضوعية. كما يأمل الجميع أن لا يقبل معالي الرئيس بالتصنيفات التي أطلقتها الإدارات السابقة على بعض أعضاء الهيئة التدريسية كالمشاغبين والمشكلجيين والتحقق من أسباب استبعادهم من العملية الإصلاحية والإدارية. لقد تعاملت بعض الإدارات السابقة مع الأساتذة المتميزين والرافضين للفساد بنفس الطريقة -مع الفارق والاحترام للجميع- التي تستخدم لترويض الحيوانات البرية لإجبارهم على الاستسلام والانضمام لبقية القطيع تحت الضغط والإقصاء والتهديد على الرضوخ لوضع النير على رقابهم والحراثة عليهم وإدماجهم بممارسة النفاق والشللية والتغطية على الفساد والتصفيق لكل القرارات الإدارية الفاشلة التي أوصلت الجامعة إلى ما وصلت إليه على مختلف الأصعدة والتي استدعت قيام جلالة الملك شخصيا بالتدخل من اجل تغييرها وإصلاحها.
إن تولي المناصب الإدارية في الجامعة يجب أن لا يحسب مزية تفضيلية لكل من تولى منصبا في الإدارة الحالية على غيرهم من أعضاء الهيئة التدريسية بل هي إدانة لبعضهم للفشل الذي أوصلوه للجامعات ولما ارتكبوه من ممارسات إدارية خاطئة وبخاصة في التعيينات التي كانت في الغالب تتم على أسس واعتبارات غير موضوعية. والكل يأمل أن تتم التعيينات في ظل الإدارة الجديدة على أساس الانجاز والتمييز في المجالات الأكاديمية والبحث العلمي والمساهمة في النشاطات والمؤتمرات العلمية وخدمة المجتمع والعملية التعليمية المدعمة بالوثائق الرسمية واهم من ذلك على أساس الانتماء والإخلاص في العمل وليس من خلال التوصيات والآراء والنصائح الشخصية مهما كانت درجة الثقة بأصحابها. إن السير الذاتية للأساتذة هي المصدر الوحيد الذي يبين الانجازات والتميز لأعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات الأردنية وليس الآراء والانطباعات والنصائح التي يتبرع بها بعض المتنفذين من المساعدين والنواب في الطابق الرابع وبخاصة في ظل غياب الرأي الأخر.
وفي الختام أتمنى للرئيس الجديد وإدارته المستقبلية كل التوفيق والنجاح والارتقاء بجامعتنا العزيزة إلى مصاف الجامعات العالمية تعليما وانجازا وإدارة. وأؤكد للجميع بان ليس لي أي هدف أو مصلحة ذاتية من وراء الكتابة الآن ولا في السابق إلا مصلحة الجامعة بطلابها ومدرسيها وموظفيها وفوق ذلك مصلحة الأردن العزيز وشعبه الكريم وقيادته الهاشمية العظيمة التي سبقتنا بسنوات بالمناداة والعمل على الإصلاح والتحديث في التعليم والسياسة والاقتصاد والثقافية وعلمتنا على قول الحق بكل صدق وصراحة.
alsoudis@gmail.com