اسهال .. اسهال .. اسهال , لا اعرف لماذا يحضرني في هذه اللحظات "محلول الأكواسال" والذي كما تعرفون فأنه سهل الاستعمال .. ولابد انكم تدركون تماما انه يقضي على جفاف اطفالنا في الحال .لا اعرف اذا كانت وزارة الصحة ما زالت تروج لهذا المحلول السحري والذي "كروعنا" منه أنا وأبناء جيلي أكثر مما شربنا من الحليب , وقد رافق انتشاره والترويج له حملة اعلامية شرسة جعلته من اكثر الاعلانات تكرارا على شاشتنا الفضية وقتها لا بل انه أصبح الكابوس اليومي لكافة الأطفال ولا تكاد تمر ليلة الا وألسنتنا تلهج الى رب العباد بالدعاء أن جنبنا الاصابة بالاسهال واجعلنا من الممسكين المتمسكين بامساكنا حتى الرمق الأخير حتى لا نضطر لابتلاع ذلك المشروب المقيت ذو الطعم المتعفن الذي يبعث على شعور غريب بالحموضة والغثيان .
لا تكمن المشكلة في الأكواسال بحد ذاته .. لا بل بعمليات غسيل الدماغ التي تعرض لها أهالينا في تلك الفترة والتي جعلتهم على قناعة تامة بأن هذا المحلول يداوي من أمور اخرى غير الاسهال , فما ان ترتفع حرارتي درجة واحدة الا ويبادر والدي الى خض العبوة البلاستيكية " ما غيرها " تحسبا لأي اسهال مرتقب في خطوة استباقية منه لؤاد الفتنة في عقر دارها والذي هو " بطني " الممغوص أساسا من رؤية الأكواسال في كل زاوية من زوايا البيت .
الا انني وبعد ان كبرت وأصبحت أبا أدركت أسباب الحرص الشديد من قبل أهلي على ضرورة تواجد الاكواسال باستمرار في المنزل فلا أخفي سرا اذا قلت بأن سيولة مخرجات الأطفال وسهولة المسائل عليهم تعقد الحياة وتنغصها على من يقوم بخدمتهم وتنظيفهم لأسباب تعرفونها جميعا الى الحد الذي جعلني أشك بان والدتي كانت تطبخ لنا الأرز بمحلول الأكواسال بدلا من الماء وذلك تحسبا لوقوع الأسوأ .
ما ذكرني بالاكواسال هو اصابة أكثر من 130 طفلا من أطفال المفرق بالاسهال وهي حالة اسهال جماعي ربما تستدعي ان يتم تسجيلها في كتاب غينيس للارقام القياسية الا أن ما يستدعي ادراجه في كتاب غينيس ليس الحالة بحد ذاتها بل الحكومة , اذ أنه لو اتفق ألف شخص على أن يقترفوا من مسببات الاسهال اكثرها فاعلية وبشكل متعمد لربما كانت النتيجة أقل من 130 اصابة بينما نجحت حكومتنا بالمهمة عبر اهمال وتقصير لأحد الموظفين الفائضين عن الحاجة وحققت رقما قياسيا بانتاج 130 "مسهولا" في ليلة واحدة .
لقد امتلك موظفو "المياه" وقتا كافيا لتنكسر الماسورة الرئيسية المغذية للمحافظة بالمياه ومن ثم تتجمع المياه لتشكل بركة راكدة ثم " وكما جاء في الخبر المنشور على صفحات عمون " يسمح الوقت أيضا بأن يمارس بعض الاطفال هواياتهم المائية في البركة الآسنة لعدة أيام ليس ذلك فحسب بل تطول المدة ويمتلك المعنيون من الوقت الكافي ما يسمح لأغنام المنطقة وخرافها بالمجئ الى المدينة المائية الجديدة في المفرق والتمتع بالشرب والانبطاح في المياه تفاديا لحرارة الجو العالية ولغاية الآن لم يلاحظ موظف يمارس التثاؤب طوال اليوم ان الماسورة مكسورة .
لتبدأ بعدها جيوش المايكروبات والطفيليات بالنمو في بيئة مناسبة تماما وتنتقل عبر المواسير الى جوف كل طفل صغير شرب من المياه التي مرت عبر أفواه خراف المنطقة , للعلم فان طاقم الحكومة لا يعلم بان أطفالنا في المحافظات يشربون من مياه الخزانات اذ ان ثقافة المياه الصحية المعبأة لم تنتشر بعد في الوقت الذي يستخدم فيه السادة الوزراء مياه الخزانات للاستحمام فقط . حتى انني أشك انهم "يستنظفون" الاستحمام فيها وربما يحصرونها باستخدامات الغسيل والشطف وري اشجار الزينة .
على كل الأحوال فقد اقترح وزير الصحة ان يقوم اهالي المفرق بتفريغ خزاناتهم وانتظار اصلاح الماسورة المكسورة وتعقيم خطوط المياه من جديد , وليسمح لي الوزير باضافة أخرى واقتراح بسيط يتم عبره ضخ نسبة من محلول الاكواسال جنبا الى جنب مع مادة الكلور في المياه وهنا تكون الحكومة قد ضربت عصفورين بحجر أولا تامينها لعلاج فوري للاطفال لحظة الاصابة ودون اية مضاعفات , اما العصفور الآخر يتمثل بان الحكومة ستحفظ ماء وجهها عند اي حالة تسمم مقبل بالشكل الذي لن ينفضح فيه أمرها حيث ان مواسيرها ستحمل المايكروبات وفي الوقت نفسه تحمل العلاج ولن تتعرص الحكومة بعدها لأي فضائح مشابهة .
وأذكر مرة أخرى بأن " محلول الأكواسال " .. سهل الاستعمال .. يقضي على جفاف أطفالنا في الحال