في مجالي العملي أقوم بعمل تحضيرات متخصصة لتقديم برامج تدريبية في مجال طرق التفكير وأنماط التفكير الإبداعي ، وكان لابد من البحث في النظريات والاستناد لما توصل إليه العلماء في هذا المجال ، وحيث أنني كنت ولا أزال أعمل في مجال بناء القدرات القيادية وتعديل السلوك المؤسسي ، وغرس مفاهيم جديدة للعمل معتمدًا على التدريب العملي وإكسابهم المهارات اللازمة لتحقيق الأهداف بشكل ملموس ، بحيث يعكس الأثر الإيجابي على السلوك لدي الأفراد والجماعات وبالتالي النتائج المتوقعة تكون أكثر وضوحًا ويمكن رصدها من خلال مشاهدات سلوكية ومخرجات ملموسة .

لكن في تحضيري الذي ذكرت في أول المقال استندت إلى ما توصل إليه العالم الامريكي في علم النفس العصبي ( روجر سبيري) عندما اكتشف أن دماغ الإنسان فيما يتعلق بالتفكير مقسوم إلى شطرين وسماهما (الفص الأيمن / الفص الأيسر) وقد كانت دراسات العالم سبيري أشارت إلى ارتباط كل جهة بمهارات تفكير مختلفة عن الأخرى، وكما جاء بدراسته فإن الفص الأيسر، يفكر بطريقة منظمة ومرتبة ويعتمد على أنظمة مكتوبه ويحدد المهام والتحديات والتحليلات …الخ

فيما يفكر الفص الأيمن، بطريقة مبتكرة غير مسبوقة بعيدة عن الواقع تخيلية ويركز على العميم والروحانيات وأيضًا تعكس العشوائية في الأعمال والمغامرة في اتخاذ القرارات .

ثم جاء عالم أمريكي يدعي (ند هيرمان) وهو رسام وموسيقار وعالم فيزيائي حرص على اكتشاف ما وراء نظرية سبيري، فحدد لنا تقسيم جديد للدماغ وعكس ذلك في نموذج هيرمان العقل المهيمن في نمط تفكير الأشخاص وابتكر آلية قياس لأنماط التفكير، الفص الأيسر علوي وسفلي والفص الأيمن علوي وسلفي، وأصبح لدينا ما يعرف بأنماط التفكير

(A -B-C-D) والتي حددت في كل نمط كيف يفكر ، وكمثال فإن أصحاب نمط التفكر (C) هم أشخاص عاطفيون جدًا ولا يحكمون العقل في اتخاذ القرارات ولذا فإن هؤلاء الأشخاص إذا كان هذا النمط هو المهين على طريقة تفكيرهم بالتأكيد ينعكس على سلوكهم فهم يتعاطفون بسرعة مع المواقف ويقدمون المساعدة على حساب مصالحهم وأيضا قد يخسروا من أجل الآخرين ، وهناك مثال لكل نمط ولكن الفرد قد يظهر لديه نمط أحادي مهيمن أو يكون ثنائي أو ثلاثي أو رباعي بدرجات متفاوتة يعتمد على المقياس الإجابات وصدقها في مقياس هيرمان.

الخلاصة من هذه النظريات والآليات المستخدمة في زمن التطور والتكنولوجيا الحديثة تم بناء الكثير من المقاييس التي يمكن من خلالها التعرف على الأشخاص وأنماط تفكيرهم وبالتالي اختيارهم بشكل أفضل للوظائف المطلوبة، وكل ما هو مطروح من اختبارات بأسمائها المختلفة كان مصدرها الأساسي هو نظرية سبيري ونموذج هيرمان.

الكارثة الكبرى..

دراسة تقول إن النظام التعليمي المدرسي والجامعي في معظم دول العالم صمم بطريقة يخاطب فيها عقل الإنسان من خلال الفص الأيسر فقط، فهذه المئة عام وأكثر التي مضت وشكلت العالم الذي نعيش فيه كلها من مخرجات تعليم مركب على المخ شمال فقط.
لو أردنا أن نتأكد ببساطة نسأل أنفسنا ، هل كان في تعليمنا حصة أو درس للتخيل والإبداع ، أو كان في تحفيز للمشاركة بحرية التعبير عن الرأي بالرسم أو الشعر أو الانطلاق في عالم الابتكار والاختراع ،كل هذه مربوطة بالفص اليمين ، كان معطلًا تمامًا ، بعض الناس كان يتم طردهم ونبذهم وإقصائهم من الصفوف لأنهم يفكرون بطريقة مختلفة عن المعلم والدكتور الذي يريد تقديم ما لديه بأسلوب تلقين وامتحان وجداول وعلامات ونظام حضور وغياب ، مما أدى هذا أن معظمهم تعلم الغش في الامتحانات والالتزام بالظاهر واللعب في الباطن والناس المفكرة والمبدعة والمبتكرين خرجوا من المدرسة في فترة مبكرة ولم يكملوا دراستهم فأبدعوا وأصبحوا رجال الأعمال والاقتصاديين وباقي الناس "مركب المخ الشمال" صارت لهم ساحات مفرغة وعاثوا في الأرض الفساد بين مسؤولين وجلادين وفاسدين إلا من رحم ربي من الصالحين .

لذا المشكلة في اكتشاف سبيري لو بقينا على الترتيب القديم "كان أحسن ما نعرف ونتحسر" .

"طلع المخ راكب شمال."

دمتم سالمين.