في الندوة المهمة التي أقامها منتدى السياسات العامة تحت عنوان عريض هو “السياسة النقدية”، قدم محافظ البنك المركزي عرضاً تفصيلياً مهماً حول واقع واتجاهات السياسة النقدية في الأردن، إضافة لقراءة مميزة لتطورات وآفاق الاقتصادين المحلي والعالمي، مع الإشارة لأولويات البنك المركزي خلال هذه المرحلة.
فكما هو معلوم، يهدف البنك المركزي لتحقيق الاستقرار النقدي، وذلك من خلال استقرار أسعار الصرف والحفاظ على معدلات تضخم معتدلة ومستقرة وتحقيق هيكل مُعتدل لأسعار الفائدة في الأمد الطويل. بالتالي، يبرز من أهدافه أيضاً المساهمة في تحقيق النمو الاقتصادي طالما لم يتعارض ذلك مع هدفه الرئيس المتمثل بالاستقرار النقدي والمصرفي والمالي.
طبعاً، لتحقيق تلك الأهداف، هناك أدوات معروفة، تقليدية وغير تقليدية، يستخدمها البنك المركزي، وقد أشار لها المحافظ بعناية، فمن أبرز أدوات السياسات النقدية التقليدية، عمليات السوق المفتوحة، فبلغ الرصيد الحالي لشهادات الإيداع 600 مليون دينار، وسعر إعادة الخصم (7.75 %)، والاحتياطي الالزامي (ودائع التوفير ولأجل 5 % والودائع الجارية وتحت الطلب: 7 %)، إضافة إلى فائدة الإيداع والاقتراض لليلة واحدة.
بالنسبة للأدوات غير التقليدية، فقد بين محافظ البنك المركزي أن من أبرز تلك الأدوات المستخدمة التيسير الكمي، الاسترشاد المستقبلي (forward guidance)، ضمانات القروض، إضافة للإقراض المُيسر (برنامجي التمويل الميسر لدى البنك المركزي الأردني) مثل برنامج إعادة تمويل القطاعات الاقتصادية بقيمة (1.3 مليار دينار) وبرنامج دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة بقيمة (700 مليون دينار).
بسهولة، يمكن ملاحظة تدخلات البنك المركزي للتخفيف من أثر رفع سعر الفائدة مؤخراً، من خلال تعزيز السيولة المصرفية القابلة للإقراض (متوسط سهري لقيمة عمليات إعادة الشراء 460 مليون دينار في العام 2022)، وشروط إقراض ميسرة للقطاعات الاقتصادية الحيوية/ برنامج 1.3 مليار دينار (المبلغ الممنوح: 1.4 مليار دينار، أما الرصيد القائم: 623 مليون دينار)، وتمديد برنامج دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة حتى نهاية نيسان (ابريل) 2023 (المبلغ الممنوح: 626 مليون دينار)، إضافة لدعم الصادرات.
من المهم الإشارة الى موضوع تأجيل أقساط قروض العملاء الذي بات مطلباً دائماً ومتكرراً، طبعاً خيار التأجيل يطرح دائماً بالظروف الاستثنائية الخاصة (مثل ظرف أزمة كورونا)، عدا ذلك يجب أن يكون ذلك الخيار مدروسا بعناية بين البنوك التجارية وعملائها بالاستناد الى الأرقام الدقيقة لانعكاسات ذلك على طرفي المعادلة (المقترضين والبنوك) لاتخاذ القرار الذي يحميهما من أي تداعيات سلبية مستقبلية مترتبة على تأجيل أقساط المقترضين التي لها أثر لاحق على واقع الاقتصاد. وقد تحدث المحافظ عن تأجيل الأقساط 3 مرات خلال العام 2022 (نيسان، حزيران، كانون الأول) بحجم يتراوح بين (200-240 مليون دينار) في كل تأجيل.
بالنسبة لأبرز أولويات البنك المركزي للمرحلة المقبلة، فقد بين المحافظ أن أهمها هو الحفاظ على الاستقرار النقدي وتحديث الأطر التشريعية والتنظيمية والرقابية لقطاع التأمين وتطوير نماذج أعمال شركات الصرافة والتمويل الأصغر والشركات المالية الأخرى وتعزيز التوجه نحو الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا المالية. كما أشار المحافظ لأبرز مؤشرات القطاع النقدي والمصرفي التي عكس أغلبها تحسناً إيجابياً مبشراً لواقع الاقتصاد الأردني، كمعدل الدولرة، والاحتياطيات الأجنبية (16.6 مليار دولار)، وإجمالي الودائع (6.1 % معدل نمو على أساس سنوي)، وإجمالي التسهيلات (8.9 % معدل نمو على أساس سنوي) ونسبة السيولة القانونية، إضافة لمعدل كفاية رأس المال ونسبة تغطية المخصصات للديون غير العاملة ونسبة القروض المتعثرة إلى إجمالي القروض.
تشكل هذه اللقاءت حالة صحية من التواصل الإيجابي الوطني المهم وغير التقليدي يستنها البنك المركزي (بعيداً عن البيانات الإعلامية فقط) تعرض واقع الحال الاقتصادي على الخبراء والباحثين، فتشير الى ما تم إنجازه وتؤشر لأولويات المرحلة المقبلة، بهدف الاستماع والتشاور والتشارك مع أصحاب الخبرة لتحسين الواقع الاقتصادي بإذن الله.
"الغد"