لا أحد يعرف كيف يفكر هؤلاء الذين تتفتق أذهانهم بين الحين والآخر عن تزيين قرارات حكومية في عقل المسؤول تستهدف التضييق على الناس ضد المصلحة العامة ، فيشغل الناس ويستفزهم .
منذ يومين والبلاد مشغولة بقرار الحكومة بنقل ملف الإعفاءات الطبية من مسؤوليتها إلى الديوان الملكي ، الأمر الذي أثار احتجاج الكثير من الأردنيين والسبب بالطبع ليس تحويل الملف إلى الديوان الملكي ، فالديوان تاريخيا ملاذ للناس في كل أمر ، ولكن الناس أحسوا أن الحكومة تريد التنصل من هذا الملف وإلقائه على عاتق الديوان الملكي .
من أبسط واجبات الحكومة البديهية حسب الدستور توفير الصحة والتعليم للمواطنين ، وقد أصبح هذين المجالين يشكلان عبئا ضاغطا على أعصاب الناس بشكل دائم ومستمر .
التضييق على الناس في هذه الظروف الصعبة ليس من صالح أحد ، وهو استفزاز غير محمود ، فالمواطن بات يشعر أنه وحيدا في مواجهة ضغوط الحياة ، رغم أنه يشكل المورد الأساسي والأكبر لرفد خزينة الدولة ، ملف الإعفاءات الطبية لا شك أنه ينحرف أحيانا عن الهدف الأصلي في توفير الخدمة الصحية للذين لا يملكون تأمينا صحيا ، وهذا ليس ذنب المواطن ، فالحكومات المتعاقبة هي التي تتحمل مسؤولية هذا الخلل ، حيث تركت الباب على غاربه حتى أصبحت الإعفاءات تصل في كثير من الأحيان إلى غير مستحقيها .
يفترض أن الحكومة تملك داتا كاملة عن الأردنيين تمكنها من معرفة المحتاج لهذه الخدمة وغير المحتاج ، وتستطيع أن تضبط الأمر بدلا من التخلي عن كل الملف .
كثير من الأصوات الرسمية تردد أن فاتورة الإعفاءات فاقت قدرة الموازنة العامة ولا تستطيع تحملها ، وهذا من الممكن أن يكون صحيحا ، ولكن إذا قررت الحكومة أن توفر التكاليف ستستطيع ، لأن أوجه الإسراف واضحة للجميع ، وتقارير ديوان المحاسبة مليئة بملاحظات تشير إلى الهدر في المال العام ، كذلك كما أشرت من خلال ضبط أعداد الذين يستحقون الإعفاء دون غيرهم ، وهذه النقطة بالذات هي الأهم بالسيطرة على التكاليف في هذا المجال ، دون الحاجة إلى إثارة حفيظة الناس واستيائهم .
من يتفتق ذهنه عن التنسيب بمثل هذه القرارات عليه أن يحسب حسبته جيدا ، ويأخذ بالاعتبار إنعكاساته على الناس وردة فعلهم عليها ، ولا ينظر للأمور نظرة جامدة بحسبة رقمية لا تراعي المصلحة العامة في هذه الظروف الصعبة التي تزداد ضغوطها على الأردنيين كل يوم.
المهم ، يجب إغلاق هذا الملف الذي يفتح بين الحين والآخر ووضع آليات منصفة للناس والخزينة العامة ، مع الأخذ بعين الإعتبار مصلحة المواطن أولا ، مع عدم نسياننا الآلاف من الوزراء والمسؤولين الحاليين والمتقاعدين المؤمنين على حساب الحكومة في القطاع الخاص في درجاته الأولى متحملة بذلك الملايين ، فلا أحد يستقوي إذن على الأردني ويحمله منة بمنحه إعفاء طبي لمرض صعب أو إجراء عملية له أو لأحد أبنائه .
الملاحظة الأساس في الموضوع وهي قبل أن تفكر الحكومات بتقنين الإعفاءات الطبية ، عليها أن تؤهل المستشفيات العامة جيدا ، حتى تكون هذه قادرة على تقديم الخدمة المطلوبة ، ولا يضطر المواطن أن يسعى خلف الإعفاء الطبي ، فالذهاب إلى الكثير من المستشفيات العامة يشكل كابوسا لأي مواطن سواء بالإنتظار الطويل أو تواضع الخدمات ، ناهيك أيضا أن هذه المستشفيات في معظم الأحيان ليس لديها أطباء اختصاص لأمراض عديدة أو اجهزة طبية لازمة ، وهذه ظاهرة موجودة في معظم المستشفيات العامة على امتداد المملكة .
الملف الصحي يجب أن يفتح بكل صراحة وشفافية ، ويجب العمل عليه واصلاح الخلل فيه ساعتها لا يضطر المواطن إلى الركض خلف الإعفاءات الطبية وبالتالي هو يرتاح والحكومة أيضا وكل مؤسسات الدولة ، أما اولائك الذين يتفننون في ترجمة فكرة "ضيق ما استطعت" على أرض الواقع عليهم أن يتقوا الله في العباد .