"تداول الشائعات" والمعرفة القانونية للصحافيين والناشطين
د. أشرف الراعي
14-03-2023 07:43 AM
مع التطور الذي نشهده اليوم في مجال تكنولوجيا المعلومات وشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، فقد أسهم التطور الإلكتروني بصورة جلية في سلوك الأفراد، ما أدى إلى إحداث تغيير ملموس في تناقل المعلومات، وتحول المواطن العادي من مُتلقٍ إلى مُشارك في نقل الخبر، وصناعته، وهو ما أسهم في بعض الأحيان بعدم الالتزام بالنصوص القانونية الناظمة لهذه الوسائل حتى باتت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة لتناقل الشائعات، والمعلومات الكاذبة دون أي أدنى احترام لخصوصيات الناس أو كرامتهم.
كما تزايد دور الصحافيين والإعلاميين إلى جانب الناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا التطور وإن كان مُلفتاً ومحموداً – بشكل عام - لجهة حرية الرأي والتعبير، وتكريس دور الإعلام الرقمي المتمثل حالياً في جزء كبير منه بمواقع التواصل الاجتماعي كسلطة رابعة تُراقب، وتُحاسب، وتفرض سطوتها على كل خلل أو أداء، إلا أن هذا الدور المهم لا يجب بأي حال من الأحوال أن ينفلت من عِقَال القانون، وأن يخرج عن أدبياته، وهو الصراع الذي يتكرس دوماً بين الحرية والضبط.
كما لا يجب بأي حال أن تتحول هذه الوسائل سواء التي يقوم عليها صحافيون بالمعنى القانوني أو ناشطون إلى منصات لتناقل الشائعات والمعلومات المغلوطة، خصوصاً وأن تداول هذه الشائعات يمكن أن يكون من خلال المواطن العادي، وليس من خلال الصحافي الذي ينتمي إلى نقابة الصحفيين، وفقاً للتنظيم القانوني المنصوص عليه في قانون المطبوعات والنشر وقانون نقابة الصحفيين الأردنيين مما يزيد من تعقيدات التكييف القانوني لهذه المنصة إن كانت تعتبر وسيلة إعلامية أم لا.
لقد نصت العديد من التشريعات سواء في الإطار الوطني أو الدولي على حرية الرأي والتعبير ، ابتداءً من الدستور وليس انتهاء بالقوانين الداخلية والمعاهدات الدولية التي تصادق عليها الدول، وفي الأردن تكرست الحماية لحرية الرأي والتعبير من خلال العديد من التشريعات؛ حيث نص عليها الدستور الأردني وصادقت المملكة الأردنية الهاشمية على العديد من المعاهدات والمواثيق الدولية، كما كفلت العديد من القوانين الداخلية حرية الرأي والتعبير عن الرأي، لكن ذلك يجب أن يكون ضمن ضوابط محددة.
وإن من أبرز وأهم أشكال حرية الرأي والتعبير "حرية الصحافة والنشر" التي شهدت تطوراً لافتاً في الأردن خلال السنوات الماضية لا سيما مع انتشار المواقع الإلكترونية والمنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث أصبح القارئ أو المواطن يتفاعل بشكل كبير مع مختلف الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تهمه، ويعبر عنها بشكل محدد وواضح ومباشر، كما أصبح المجال أكثر اتساعاً لتناقل المعلومات، والأفكار، والبيانات، والتحقق من صحتها، لكنه أصبح أيضاً مجالاً لتناول الشائعات والخروج على المبادئ القانونية والأخلاقية، لأن عملية تناقل المعلومات لم تعد قاصرة على الصحفي المشتغل في هذا المجال فحسب بل انتقلت إلى المواطن العادي الذي أصبح يشارك في صناعة الخبر ونقله إلى الجمهور، كما أشرنا.
التنظيم الدستوري والدولي
لقد نص الدستور الأردني على حرية الرأي والتعبير في الفقرة الأولى من المادة 15 من الدستور والتي جاء فيها "تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون"، وبالرجوع إلى نصوص الدستور الأردني يلاحظ أن الدستور ربط هذه الحرية وقيدها بعدم تجاوز حدود القانون وعدم الخروج عليه؛ بمعنى أن المشرع الأردني أراد تنظيم هذا الحق بموجب قوانين تصدرها السلطة التشريعية لأن إطلاق حرية الرأي والتعبير وتركها دون تقييدها بالقانون يخلق حالة من الفوضى وينذر بانهيار الدولة، فمتى أبيح لشخص التعبير عن رأيه دون التقيد بقانون فقد يدفعه ذلك إلى التعبير عن رأيه بأسلوب يخرج فيه عن القانون، كما يبيج له تناقل الشائعات وتداولها والإساءة إلى الدولة والمجتمع، وبما يخلق حالة من الفوضى تهدد كيان هذه الدولة.
إذن، ولمواجهة الجريمة التي يمكن أن يخلقها إطلاق الحرية بدون قيد أو شرط، فلا بد من أن يكون القانون هو الحد الفاصل في الموازنة ما بين الحرية والمسؤولية حماية للنظام العام في الدولة، والحفاظ على المجتمع كذلك، ويلاحظ أن تنظيم الحقوق والحريات بموجب الدستور الأردني جاء تنظيماً شاملاً وواضحاً ودقيقاً وقرر لها الضمانات والكفالات التي تحقق ممارستها وهو المنصوص عليه في الفصل الثاني من المواد (5 - 23) منه على الأحكام القانونية المتعلقة بحقوق الأردنيين وواجباتهم.
كما نصت على حرية الرأي والتعبير العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، لتكرس مفهوم الديموقراطية التي حاربها بعض الكتاب والاقتصاديين لاعتقادهم بأنها تقوض أنظمة الحكم وتعوقها عن ممارسة دورها في تنظيم البلاد، وفي ذلك قال المؤرخ البريطاني ألكسندر تايلتر "لا يمكن للديموقراطية أن تقف كشكل دائم للحكم وسوف تبقى فقط إلى حين اكتشاف مواطنيها أن الكرم يمكن التصويت عليه من الخزانة العامة"، لكن ذلك لا ينفي أن العديد من الشعوب حاربت من أجل تكريس حرية الرأي والتعبير، التي ترسخت لاحقاً في المعاهدات، والمواثيق الدولية، حتى أصبحت تتوزع على طائفة من هذه المعاهدات، والاتفاقيات الدولية والإعلانات، والقرارات، والتوصيات الصادرة عن الهيئات، والمنظمات، والوكالات التابعة للأمم المتحدة، لكن هذه الحقوق التي نصت عليها هذه المواثيق لا يجوز أن تتجاوز أيضاً حدود القانون؛ وبالتالي فإن من يُمارسها يجب أن يلتزم بالحدود القانونية، والمسؤوليات الأخلاقية المترتبة على عاتقه، فلا يخترق حرمة الحياة الخاصة للآخرين ولا يتداول الشائعات عنهم ولا يتعرض لهم بالذم أو القدح أو الابتزاز.
وهنا لا بد من أن نشير إلى الإشاعات تنتشر اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل تزايد الاعتماد على الوسائل التقنية، ويعد بث الإشاعات من الخطورة بمكان إلى الدرجة التي يمكن أن يؤدي إلى تقويض أمن المجتمعات؛ إذ يشير تقرير اللجنة الاستشارية الوطنية الأمريكية إلى أن 65٪ من القضايا المتعلقة بأعمال الشغب العرقية في الولايات المتحدة تحدث بسبب تداول الإشاعات، .وتعد الإشاعة من أهم الوسائل التي تستخدمها الدول والجماعات المختلفة للتأثير في الدول وقدراتها وإمكانياتها وخلق البلبلة وزعزعة الاستقرار، في شتى المجالات، كما أصبحت أداة حربية يمكن لأي كان أن يستخدمها من أجل التأثير في الآخر وإضعافه.
وبالرجوع إلى القوانين الجزائية الأردنية نجد أنه لم يرد نص واضح على تعريف الإشاعة، في أي قانون من القوانين الجزائية الأردنية بل وردت مفردات مثل "الأنباء الكاذبة" و"الدعاية" و من دون وجود نص يحدد المفهوم القانوني للشائعة؛ حيث ترك المشرع الأردني – حاله حال العديد من المشرعين – مسألة تحديد الكثير من المصطلحات والمفاهيم إلى الفقه والقضاء.
المسؤولية الجزائية عن إشاعة الأخبار الكاذبة
وفي ظل ما نعانيه اليوم من تزايد الإشاعات خصوصاً مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية، والتطبيقات الذكية، إلى جانب وسائل الإعلام التقليدية من محطات تلفزة وإذاعات وصحف ورقية، تتزايد الحاجة إلى تناول التنظيم القانوني للشائعات، في قانون العقوبات الأردني وقانون الجرائم الإلكترونية، فإن ذلك يستدعي تفادي للآثار السلبية الخطيرة للإشاعة وهو أمر لا يكون إلا من خلال وجود عقوبات قانونية صارمة ضد تداول الإشاعات.
ويعد قانون العقوبات هو المظلة الرئيسية والأساسية فيما يتعلق بجميع الجرائم وإن كان ينص على الأشاعات أو ما أسماها ببث الدعايات في المواد من 130 إلى 132 من قانون العقوبات فإن هذا القانون هو القانون واجب التطبيق وليس أي قانون آخر، وكذلك في حال مخالفة قانون الأوراق المالية وقانون الجيش الشعبي أو أية تعليمات ذات علاقة، فتطبق عليها هذه النصوص القانونية، إلى جانب قانون الجرائم الإلكترونية وبحسب واقع الحال سواء كان التطبيق لنص المادة 11 من القانون، أو تطبيق قانون العقوبات بدلالة المادة 15 من قانون الجرائم الإلكترونية.
إن هذا كله يتطلب دوراً كبيراً في إيقاف سيل الشائعات التي تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام الرقمية أو التقليدية من خلال توعية قانونية وإعلامية للصحافيين والإعلاميين والناشطين على حد سواء، وهو دور قام به معهد الإعلام الأردني مشكوراً في الفترة الأخيرة، لكن لا بد من المزيد من التوعية بالتعاون مع المتخصصين.