التنمر إرهاب اجتماعي لابد من اجتثاثه
سارة طالب السهيل
13-03-2023 11:59 PM
باتت سلامتنا الاجتماعية على المحك بعدما تزايدت جرائم التنمر في مجتمعاتنا ، نعم أراها جريمة بكل المقاييس بحق السلم والأمان الاجتماعي والنفسي للأفراد والجماعات.
فالتنمر احد أسباب هلاك الانسان البريء اما بالموت عندما يتعرض لتنمر مستمر لا يقوى دفع شره عن نفسه فيصاب بمتلازمة القلب المكسور ويصاب بالموت المفاجئ ، مثلما حدث مع الفتاة الطاهرة البريئة" رودينا "التي تكمل الاربعة عشر ربيعا ، عندما تعرضت للتنمر المتوالي من زميلاتها بالمدرسة ، وكثرت شكواها لوالديها دونما استطاعتهما وقف العنف الواقع على ابنتهما.
واذا ب "رودينا " آخر لقاء لها بالمدرسة تعود لاسرتها وتشتكي كالعادة مشاكلها مع زميلاتها فيغمى عليها وسرعان ما تفقد الحياة اثر ازمة قلبية حادة ! فما هذا الثمن الباهظ الذي دفعته هذه الفتاة البريئة لجريمة التنمر المخالفة لكل قيم الاخلاق والاديان ؟! وما ذنبها اذا كانت جميلة المظهر او غير جميلة ، فقيرة او غنية ، قوية او ضعيفة البنيان ؟.
والمصيبة الكبرى عندما يأتي التنمر من الاب رمز الحماية والامان ، لكنه قد يدفع ابنته للانتحار كما حدث مع فاطمة مرجان التي انهت حياتها استشعارا منها بكراهية والدها لها عندما علق على احدى منشوراتها بالفيسبوك: "ربنا ياخذك ويريح الدنيا منك."
فلماذا صار القتل في مجتمعاتنا عملة سهلة نحصد به أرواح الابرياء بكلمة ساخرة ، او تنابز بالالقاب او بطش صاحب قوة او سلطان او مدير عمل ، او حتى رب أسرة يمارس سلطته ببطش بحق ابنائه ؟ او أم تقهر ابنتها بزعم تربيتها ؟ ولماذا تراجعت بوصلة الحب والتراحم فيما بيننا ؟ وأي سعادة نشعر بها عندما نتنمر على بعضنا فتكون النتيجة دمار انسان بالموت او فقد توازنه وسلامته النفسية والاجتماعية للابد ؟ وأية سعادة يجدها المتنمر عندما يتسبب في قهر من هو أضعف منه واهلاكه روحيا و قلبيا ؟
واين مؤسسات المجتمع من هذه القضية الخطيرة ، وعندما لا تنتبه لخطورتها والتعاون فيما بينها لوضع حلول جذرية لمحاربتها كما تتعاون في محاربة الارهاب ؟ بل انني أزعم ان التنمر هو احدى حلقات الارهاب الاجتماعي المفزع ، والذي يتطلب تعاون كل المؤسسات التربوية والثقافية والدينية والقانونية في ملاحقته والقضاء عليه .
وللاسف الشديد ان ظاهرة التنمر تغطي بعدوانيتها وبطلجتها كل الفئات العمرية بالمجتمع ، وكل الفئات الاجتماعية والطبقية ايضا ، وتزايدها يمثل ناقوس خطر يدمر قيم الاخلاق الكريمة ، لان التنمر في النهاية يهدف للأضرار بالأخرين عمدا جسديا او نفسيا ، ويعكس بداخله كراهية وحقد غير مبررين بحق شخص بريء.
يشمل التنمر سلوكا عدائي غير أخلاقي من التنابز بالألقاب ، أو الإساءات اللفظية أو المكتوبة ، أو الاستبعاد من النشاطات، أو من المناسبات الاجتماعية، أو الإساءة النفسية و الجسدية ، أو الإكراه ، والتحرش ، وكل هذه المعاني المكروهة حذرت منها الأديان السماوية منها ديننا الإسلامي ، وذلك باعتبار ان التنمر انتقاصا من كرامة الانسان واحترامه ، ولذلك جاءت آيات الله المحكمات تنهينا عن السخرية الاستهزاء من الاخرين او عدم احترامهم ، حتي لا يفقدوا احترامهم لذاتهم.
وكما قال تعالى في سورة الحجرات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
والطامة الكبرى ان يكون التنمر من البيت الام او الاب او الاخوات بان يعايروا الشخص بانه سمين او لابس نضاره او عنده مشكله بالكلام او المشي او انه غير ذكي او غير متفوق او لا يركز ، وبدلا من معرفة أسباب المشكلة و علاجها يتم التنمر عليه ، و حتى لو المشكلة ليس لها حل فالقصة بحب الشخص وتقبله كما هو.
اما في المدرسة فيتم التنمر على الاطفال فيما بينهم بسبب ان بعض المدارس الدولية منتشر بها المخدرات و الكحول فيتم التنمر على الاولاد الملتزمين ، كما يتنمرون على الطفل المتفوق ويدعونه ب كلمة nerd.
وصادف ان قابلت طفل لبناني لأم مصرية و بعمر ١٤ في مصر متفوق و مؤدب لكنه يتعرض للضرب والاعتداء داخل المدرسة اللبنانية العالمية، والإدارة لا تحميه لأن أقساط المدرسة باهظة و لا يريدون خسارة هذه المبالغ لو يطردون الاولاد المتنمرين .
و المدارس الفقيرة جدا فبعض الطلاب يحاولون جرف الباقين للعمل في الترويج للمخدرات او الهرب من التعليم او الانسياق لعلاقات غير سوية و الدخول بعصابات ، ومن لم ينساق يتم التنمر عليه والتعدي عليه بالضرب والتعذيب والتهديد والابتزاز.
وهناك التنمر على الشكل و الملابس والحالة المادية، واحيانا يتم الابتزاز بالصور والفيديو للطالبات اللواتي افتقدن التربية والتثقيف الديني والأخلاقي داخل الاسرة ولم يتعلمن كيف يحافظن على انفسهن وعفتهن و كرامة أجسدهن.
أما في دور الايتام فالحال أسوأ كثيرا، حيث يتم التنمر على الأطفال من قبل الأمهات والاباء البديلات بل واحيانا يتقصد أصحاب امراض نفسيه من حب السادية و التعذيب ان يقدم على وظيفه في دار ايتام او دار مسنين حتى يفرغ شحنات مرضه في هؤلاء لانهم ضعفاء ! وبرأيي يجب اطلاق مبادرة لاجراء الفحص النفسي على من يعمل بالمدارس ودور الايتام ودور المسنين.
وحتى الأسر المتبينة للأطفال بعضها يرتكب جرائم يشيب لها الرؤوس، مثلما تابعت قصة قتل زوجين لطفلهم المتبني غرقا و تعذيبا في الماء الساخن.
فحتى موضوع التبني الذي كنت اعتبره انقاذ الطفل مِنَ الملاجئ حاليا اصبح خطر للأسف الشديد، فهناك مخاوف من استغلال أطفال التبني في اعمال غير شرعية او بيع اعضائهم البشرية او لجهات وأغراض تخريب او في منظمات إرهابية.
وفي ظني ان الحل الوحيد ، ان كل يتيم او مسن يقعد مع اقاربه او معارفه المقتدرين أكيد كل عائلة فيها حد مرتاح ابن العم ابن الخال وتحت رعاية المراكز اشرافها القوي.
فالتنمر لم يقتصر على المدارس و الجامعات و في العمل بل تجده في وسائل التواصل الاجتماعي ايضا في تعليق الناس على الصور او المواضيع بما يدل على قلة ادب و سوء تربية و ليس فقط المراهقين والأطفال وانما احيانا تجد تعليقات من رجال و نساء كبار في السن يفترض بهم الوعي و النضج و لكن للأسف تجد العكس وفي الشارع حين تمر فتاة و يتم تعليق النساء على شكلها و ملابسها و تسريحتها و مكياجها شيء فعلا مقيت و في الاعراس بدلا من التمنيات الطيبة للعرسان نجد التعليقات على الملابس و الاكل و ترتيب الطاولات و لا يسلم من فم المعازيم شيء.
حتى في دور العزاء و بيت الأجر تجد المعزين بدلا من تلاوة آيات كريمة و الدعاء للميت يفصلون الناس تفصيل و يعلقون على زوجة المتوفي اذا كانت متماسكة يقولون انها جاحدة و غير متأثره بوفاة زوجها او ابنة المتوفى اذا منهارة يقولون تفتقر للأيمان و اخته يتبلون عليها بأنها تبحث عن الإرث.
اما في الأسواق فيتم تصنيف الناس حسب ما يستطيعون شرائه بنظرة فوقية عنصرية من قبل الأغنياء اتجاه الفقراء و نعتهم بالفقر و الوسط الاجتماعي المنخفض و ايضا تجد نظرة الفقير للغني و وصفه بالحرامي و سارق الارزاق و انه يشتري منتجات باهظة الثمن من تعبهم و من حقهم و هذا كله ليس بالضرورة صحيح فمن الممكن ان يكون الغني شريف و تعب في ربح ماله و من الممكن أيضا ان يكون الفقير متعلم و ذو اخلاق رفيعة و مستوى ثقافي محترم فلماذا هذه التصنيفات التي يتبعها تنمر و تصور خاطئ وتصدير الاحكام
كما ان التنمر لم يسلم منه مغمور او مشهور فنجد ان الكل تطاله التعليقات اللفظية السيئة خاصة عندما يطلقون الفاظ نابية على السيدات.
كما ان استخدام التنمر من قبل بعض الجماعات المتطرفة بشكل مقصود اتجاه بعض القضايا وذلك لزرع الخوف و الرهبة والتراجع وخاصة في قضايا المرأة فعلى سبيل المثال او كان من بين النساء المحتشمات المحترمات المدافعات عن قضايا المرأة بإطار لا يخرج عن الدين والاخلاق العامة امرأة فتتعرض يوميا للاتهام بشرفها و التعليق على احوالها بالافتراء كنوع من الإرهاب التنمري كي تستسلم و تترك القضية خوفا على سمعتها.
و لم يقتصر التنمر على المرأة بل طال الرجال في شتى المواضيع حتى تم رسم شكل معين للرجل لا يستطيع الخروج عنه سواء شكلا او هنداما و فرض على الرجل ان يدخل في إطار التعليب المجتمعي لاصدار مستنسخات من البشر يجب ان تكون جميعًا متشابهة واي اختلاف مرفوض رغم ان الاختلاف احيانا كثيرة ليس الا تمييز محبب بل تفوق عن الاخرين.
و في الامور المادية ايضا يتنمرون على الاطفال في المدارس ملابسهم و طعامهم و صندوق الطعام الخاص بهم ال (lunch box) و اصبح الامر تباهي و تباري و من خالف القاعدة يتعرض للتنمر.
حتى نوع المدرسة و اقساطها و النادي الرياضي بل حتى اسم الحذاء الرياضي اصبح معرض للفحص و التدقيق و اما يأخذ تصريح الدخول و اما يتعرض للتنمر من اصحاب الامراض الأخلاقية والتربية الغير سوية و على الاغلب من حديثين النعمة المتكبرين لان الاصيل ابن الاصيل لا يمكن ابدا ان يكون بهذه الصفات الشيطانية القبيحة وأخيرا أتوجه للأسرة و الاهل آباء وامهات.
بالعربي العامي (ربوا اولادكم ) قبل ان ترسلوهم ينتشروا بيننا بسوء اخلاق و سلوك معيب.