اعتراف الارجنتين, بعد البرازيل بالدولة الفلسطينية يعيد الى الذاكرة المناخات السياسية والقومية في العالم العربي في الخمسينيات والستينيات. عندما كان التحدي المجبول بالكرامة هو دافع المواقف والقرارات المشرفة للدول حتى لو غضب الشرق والغرب.
في هذه المنطقة, لم يعد للمؤتمرات والقمم اي قيمة تذكر, ولا تجد لها صدى بين الشعوب, لانها قرارات, في افضل الاحوال تعبر عن دول مرعوبة, تخشى ظلها عندما يتعلق الامر بمواجهة امريكا واسرائيل, فيما تتحول الى (دراكولا) عندما تتململ شعوبها مطالبة بان تتساوى ببعض ما للبشرية من حقوق في المشاركة والحكم.
منذ اكثر من عام ونحن, في العالم العربي »نشاهد غبارا ولا نرى طحنا« فقبل وبعد كل اجتماع للجامعة العربية على مختلف المستويات. نسمع بان العرب سيشربون حليب السباع وسيحملون ملف القضية الفلسطينية الى مجلس الامن ويطالبونه الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 .
لم يحمل العرب شيئا حتى اليوم الى اي مجلس او اية طاولة اخرى, فالعنوان القائم لا يزال هيلاري كلينتون وجورج ميتشل, اما نتنياهو فيزداد يوما بعد اخر, بلطجة وتحديا للمشاعر قبل الحقوق, انه يكيل الاهانات بالاطنان لهذه الحكومات التي لم يهزها شيء فحركتها لا تزال ثقيلة, وبلادتها السياسية لا وصف لها. ومن هنا, تأتي قرارات حكومات امريكا اللاتينية الحرة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية صفعة لنتنياهو ومطرقة على رؤوس النائمين العرب الذين ينتظرون ان تصل السكين الى رقابهم حتى يروا جادة الصواب, فيجبلوا قراراتهم بالكرامة الوطنية وبالعزة القومية وبالاعتزاز الديني.
وانا اتابع يوما بعد اخر فصول تسريبات موقع ويكيليكس عن خفايا واسرار مواقف الحكومات, وخفايا واسرار المذبحة الامريكية- الصهيونية في العراق, لا ارى اي رد فعل عربي, رسمي او شعبي, على هذه الفضائح التي تُلحق العار الوطني بكل عربي, واشعر باننا امة لا تزال في قاع البئر, وانها لا تزال تحفر تحتها, لا تريد ابدا ان تتوقف عن الحفر ترسل انظارها بعيدا الى السماء ولو من فوهة بئر.
شاهت وجوه كثيرة, بعد نشر وثائق الدبلوماسية الامريكية التي اسقطت ورقة التوت, لكن التي ازدادت عارا هي تلك التي ساهمت بطريقة واخرى في دفع الامريكيين وقوى الشر العالمية لارسال الجيوش الغازية لاحتلال وتدمير العراق وابادة رواده وصفوفه الأُول من الساسة والمدنيين والعسكريين والعلماء. انها جريمة حرب كاملة الاوصاف, ووصمة عار مخزية بعد ان كشفت (برقيات الامريكيين) بان الموساد يصول ويجول في العراق لتصفية علمائه واساتذته وابطاله الاخيار بتعاون وتواطؤ امريكي. وهذا بعض ما كشفه موقع ويكيليكس خلال الايام الماضية.
من الارجنتين الى ويكيليكس, من الجنوب الغربي من العالم الى الشمال الغربي منه تهب تيارات من الرياح الباردة المنعشة, نحو الوطن العربي القابع على تخوم الجفاف والصحراء والقر الباعث على الخمول... والامل في ان تُنشّط هذه التيارات مشاعر الكرامة عند امة ضحكت من جهلها الامم.
taher.odwan@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)