"عدم الاستقطاب" سعودية بامتياز
لما جمال العبسه
12-03-2023 01:16 PM
منذ عدة أشهر كان موقف المملكة العربية السعودية تجاه الازمات العالمية وما يحدث شرقا وغربا معلنا، فهي ليست مع طرف دون الاخر، وان دبلوماسيتها قائمة على عدم استقطابها لطرف على حساب الاخر، فهي خارج المعادلات وحسابات مصالح الدول، خاصة فيما يتعلق بالعملية العسكرية الروسية الخاصة في اوكرانيا، فأمسكت العصا وسطا وكان رأيها أن طاولة الحوار هي الحل الوحيد لانهاء هذه الأزمة.
في علاقاتها مع الدول الاوروبية والولايات المتحدة الأمريكية غربا والصين وروسيا شرقا كانت تقف على مسافة واحدة، لتفاجئ الجميع يوم الجمعة الماضي بإعلانها إعادة العلاقات مع ايران المقطوعة منذ أكثر من عقدين بواسطة صينية، لتطفئ السعودية بهذا الاتفاق جمرة ما عُرف في الاوساط السياسية بـ"التهديد الإيراني" لمنطقة الخليج العربي، ولتلتفت معها لتشذيب شجرة الخلافات مع جيرانها سواء كانوا قريبين أو على مسافة بعيدة منها، ولتجعل من منطقة الخليج العربي بقيادتها نقطة انطلاق لانهاء خلافات امتدت لسنوات طويلة وتلعب دبلوماسيتها دورا يمكن وصفه الدولي لإخماد التوترات بين الدول.
الرياض ضمن مقاييسها ورؤيتها الاستراتيجية 2030 ترى بأن الخلافات والصراعات الدولية عائقا أمام تحقيق هذه الرؤية، وكان لابد لها أن تتركها وراء ظهرها وتلتفت الى ما هو أهم وهو تحقيق أمنها سياسيا واقتصاديا وتزيل هذا الخطر، وتنتقل الى مراحل تنفيذ هذه الرؤية.
سياسيا أثبتت الرياض قدرتها على استيعاب ما يدور في فلكها وفلك منطقة الخليج، ورأت أن استمرار الخلافات مع ايران كونها تهديد لأمنها ليس مجديا، لتستجيب لوساطة بكين التي لديها علاقات ممتازة مع ايران وتجلس لطاولة الحوار وتصل الدولتان في النهاية الى معادلة يكون فيها كافة الاطراف رابحة.
أما اقتصاديا، فمن أهم ولوياتها عدم تعطل عمليات التنقيب عن النفط لديها وضمان أمن نقله ومبيعاته، عدا عن رغبتها الأكيدة في لفت الانظار أكثر اليها لتكون مكانا آمنا للاستثمار الأجنبي طويل الأمد، خاصة وانها أرادت منذ سنوات خروج اقتصادها من تحت عباءة النفط ليكون اقتصادا متنوعا في مختلف المجالات والقطاعات.
أما على الصعيد العسكري فإن إيران لاشك انها تدعم الحرب الاهلية الدائرة في اليمن من خلال مساندتها للحوثيين، وقد تكون هذه الاتفاقية التي اعلن عن بعض بنودها سببا في انهاء الصراع في اليمن ما يضمن للسعودية تأمين حدودها الجنوبية الطويلة مع هذه الدولة.
عدا عن ذلك فإن الرياض في اطار هذا الاتفاق عززت مكانتها كقبلة للعالم الاسلامي وانها قائدة مرنة للدول الاسلامية ولديها القدرة على الوصول الى تفاهمات من شأنها ايقاف وهج الخلافات واطفاء نارها.
هذه الاتفاقية كما وصفها مسؤولون وخبراء غربيون قد لا تروق للجانب الامريكي الذي رحب بحذر بعقدها، خاصة وانه يرى في أن ايران ستبقى مهددا لما تُسمى بـ"دولة اسرائيل"، حتى انهم يرون بأن الاتفاق بين الرياض وتل ابيب افضل من الاتفاق بين الرياض وطهران!، فيما يرى اخرون بانها ستسهل وصول وكالة الطاقة الدولية لإبرام اتفاق مع ايران.
الاتفاقية بين الرياض وطهران تجاوزت اهدافها وكانت أعمق على صعيد دولي، فهي غيرت مفهوم القطب الواحد الذي يبحث عن حلول لمشاكل العالم من وجهة نظره وبطريقته، لتظهر الصين لاعبا فاعلا في المعادلة العالمية، ولتنتقل الانظار نحو الشرق ودوره الفاعل دوليا، على اساس المصالح المتبادلة والمشتركة في احيان كثير، خاصة وان بكين لديها علاقات مع طهران والرياض ممتازة.
التغيرات العالمية اصبحت أمرا واقعا، فالسياسة ليست قائمة على الصداقة بل على المصالح المتبادلة، والاهداف المشتركة، والتفاهمات الواضحة، بينما الصداقة بين الدول تفرض في العادة شروط القوى على الضعيف، ويبدو أن هذا الامر سيكون ماضيا ويجب التعامل مع واقع اختلف تماما عما كان يحدث على مدار عقود طويلة.
للسعودية ودبلوماسيتها كل الاحترام والتقدير، حيث استجابت لصوت العقل لانهاء صراعات على حدودها ولضمان أمنها ولتثبيت مواقها الداعية للسلام.