اهدموا الجدران بين صوامع الحكومة الواحدة..
يعتبر القطاع العام بشكل جماعي أكبر مزود للخدمة في العالم، وإن أي تحسن مُنظم على الخدمات العامة ولو طرأ بشكل تدريجي فإنه سيحدث أثرا ايجابيا على ملايين الأفراد للوفاء بالوعود في ظل توقعات متجددة ومتصاعدة لا نهائية للجمهور، وفي حين أن القطاع العام لا يختار عملائه إلا أنه مطالب بتلبية تلك الرغبات.
والحكومة إذ تضع أولوياتها فلا بد أن تتناسب مع ايقاع الأفراد ومطالبهم، والعمل وفق نهج قائم على التكامل بين الإدارات العامة وتوظيف التكنولوجيا والاستعانة بخبرات القطاع الخاص –عند الاقتضاء- لتطوير نماذج جديدة لتقديم الخدمات العامة وتحسينها بكلف منخفضة، ولاسيما أن العمل المرتجل تبعاً لكل حالة لا يسهم في احداث التغيير الحقيقي، ولا الوصول للتحول المنشود، كما أن العمل بعقلية المزاحمة والمناكفة بين الإدارات العامة للحكومة الواحدة ومنافستها للاستحواذ على النصيب الأكبر من حصص الموازنة ومخصصاتها، وضرب الحواجز بين الكيانات الحكومة الواحدة لتعمل في صوامع أو جزر منعزلة بعضها عن بعض؛ كل هذا قد يتسبب بتبديد القدرات واستنزاف الموارد وزيادة التكاليف وتوسيع رقعة نقاط الألم (pain points) التي يتعرض لها المواطن في رحلة طلب الخدمة العامة .
إنه قَدر الحكومة أما أن تنجح بكليتها جميعاً بإدراتها المتعددة ومستوياتها المختلفة أو تفشل جميعا إذا تعثرت احدى تلك الإدارات ، فهي بنيان واحد يشد بعضه بعضاً؛ لتحقيق منظومة متكاملة من برامج والخطط والسياسات والعمل الجماعي التعاوني فرض لازم لنجاح الادارات مع التأكيد على الحفاظ للكيانات الإدارية واحترام خصوصية كل مؤسسة وفق سياق وطبيعة عملها، فإزالة الصوامع بين الإدارات الحكومية وانشاء حوكمة واحدة مترابطة لا يعني بالضرورة إعادة هيكلة حكومية شاملة وإنما يتطلب وجود رؤية مشتركة بين الإدارات العامة تتمحور حول المواطن مع الأهداف والنتائج والمعلومات وتدفق العمليات في مؤسسات الدولة الواحدة .
والمواطن سواء كان (أفراد أو شركات) فإنه إذ يطرق أبواب الحكومة فإن جل اهتمامه ينصب نحو الحصول على خدمات الحكومة الواحدة آملاً تخفيض نقاط الألم وتجنب إعادة تقديم نفس المعلومات إلى المؤسسات الحكومية في مناسبات متعددة دون الالتفات أو الاكتراث بتفاصيل التقسيمات التنظيمية للمؤسسات الحكومية والوحدات الادارية التابعة لها لدى طرق أبواب طلب الخدمة، وهذا يتطلب احداث تغيير راديكالي في الفكر الإداري، وتبني فلسفة التفكير الاستراتيجي على المستوى الوطني والانتقال من مفهوم الاصلاح الفردي والمنعزل للكيانات الإدارية إلى نهج التحول الكامل والتشاركي والتعاوني بين المؤسسات العامة، وتقديم الخدمة من وجهة المواطن وليس من وجه نظر مقدم الخدمة فقط، والانتقال من نهج مراقبة تقديم الخدمة لمجرد أغراض الامتثال إلى نهج أكثر تقدما نحو الحرص على أداء الخدمة المتميزة وقياس رضا المتعاملين، بحيث يصبح المواطن هو جوهر الاصلاح ومحور اهتمامات الحكومة وأولوياتها.
ومن العوامل التمكينية للتحول إلى الحكومة الواحدة، وجود قيادات ملتزمة من أعلى الهرم المؤسسي لديها إرادة حقيقية للتغيير تتخذ القرارات المناسبة للتوجيه وإدارة شبكة العلاقات والتعاون مع الشراكات، ووضع معايير للخدمة المشتركة والالتزام الكامل والسلس بتلك المعايير لضمان تدفق المعلومات بشكل ديناميكي وموحد وتدفق عمليات الخدمة، وتركيز الجهود على الواجهات الأمامية لتقديم الخدمة والاهتمام بالعاملين في الصفوف الأمامية ومعالجة العمليات الخلفية ولاسيما أن التكنولوجيا تلعب عامل حاسم للسماح بحدوث الأشياء ومشاركة البيانات، مع توفير إطار تنظيمي وتشريعي لمأسسة فلسفة الحكومة الواحدة.
وأخيراً تبني الميزانيات الداعمة للانفاق على مشاريع والخدمات العامة التي تخدم المصالح الوطنية دون تقييد الانفاق في ظل موازنات الكيانات الفردية الضيقة فقط للتحول نحو الحكومة الواحدة.
وهكذا فإن الحفاظ على النسيج المتكامل والمتناغم التعاوني والتشاركي بين الإدارت الحكومة الواحدة يسهم في حفظ مقدرات البلاد وتلبية تطلعات الشعوب.
د. كفاية عبدالله/ اختصاصي التطوير المؤسسي
Kifaya2020@gmail.com