الروس لا يهزمون .. وتاريخهم أبيض
د.حسام العتوم
12-03-2023 11:01 AM
لعل أول نصر حققته روسيا في الزمن القيصري كان في عهد الإمبراطورة يكاتيرينا الثانية في الحرب الروسية – العثمانية عام 1768 و التي سميت بحرب " القرم " ، وبقي القرم روسيا حتى عام 1954 عندما حرك صفاحئه الجغرافية نيكيتا خرتشوف تجاه الأراضي الأوكرانية لسببين أولهما كون خرتشوف زعيم سوفيتي من أصول أوكرانية ، و الثاني بحثا عن مخرج مائي على البحر الأسود ، و أعاده لعرينه روسيا الرئيس فلاديمير بوتين عام 2014 عندما استشعر الخطر على سيادة بلاده روسيا الأتحادية بعد حدوث انقلاب " كييف " الذي تم برمجته لوجستيا و مبكرا بين التيار البنديري المتطرف الحاكم وبين الغرب الأمريكي ، و خوفا من وصول حلف " الناتو " المعادي لروسيا لشواطئه خاصة وأن الأسطول الروسي النووي العملاق يرسو على ضفافه وسط البحر الأسود ، ولم تنجح حملة نابليون بونابارت العسكرية ضد الإمبراطورية الروسية في زمن الكسندر الأول عام 1812 ، وهزمت بعد ستة أشهر ،وتم طرها تجاه باريس ، وتعتبر معركة " غاليسيا " أكبر انتصار للجيش الروسي في الحرب العالمية الأولى ( 1914/ 1918 ) ، و النصر السوفيتي و الحلفاء الساحق في الحرب العالمية الثانية (1941/ 1945) التي دحرت فيها النازية الألمانية الهتلرية كانت الصدارة فيه لروسيا، ورفعوا العلم السوفيتي فوق الرايخ " البرلمان الألماني " ، وقدم السوفييت والروس لوحدهم أكثر من 28 مليون شهيد، وفي الحرب الأوكرانية التي تدور رحاها منذ أكثر من عام، والتي بدأتها العاصمة " كييف " وعواصم الغرب الأمريكية كما هو معروف، ولمن يرغب بتدقيق صورة المعركة، وردت عليها موسكو بعملية عسكرية خاصة دفاعية استباقية غير احتلالية استنادا للمادة 51/7 من مواد الأمم المتحدة التي تخول الدولة المعتدى على سيادتها مثل روسيا الإتحادية الدفاع عن نفسها ، والمعروف هو أن " كييف " شنت هجمات و حفرت الخنادق مبكرا في عدوانها على سكان شرق و جنوب أوكرانيا و جلهم من الروس و الأوكران الناطقين بالروسية ، والتسبب كما أذكر دائما في مقتل وتشريد أكثر من 14 الفا منهم و سط تجمع بشري يبلغ سبعة ملايين انسان، وهي جريمة حرب لا يرغب الغرب بسماع صوتها .
واخترع السوفييت وفي مقدمتهم الروس القنبلة النووية عام 1949 كقوة رادعة ولم يستخدموها حتى الساعة رغم موجات التضليل الأعلامي الغربية ضدهم التي تظهر للعالم بين فينة وأخرى توجه روسيا لإستخدامها في الأراضي الأوكرانية بشكل مخفض، وهو مجرد خداع اعلامي و سياسي مبرمج و موجه ، وفوبيا روسية ، و بالمناسبة روسيا مدرسة أخلاقية مستقلة لا تشبه أمريكا التي استخدمت قنبلتها النووية الأولى عام 1945 فوق اليابان في حادثتي ( هيروشيما و ناكازاكي ) و التسبب في مقتل وتشوية أكثر من 200 الف ياباني ، وبسبب اعتداء اليابان على الإتحاد السوفيتي نهاية الحرب العالمية الثانية أيضا ، ضم الإتحاد جزر ( الكوريل ) ، ولم يتم توقيع سلام مع روسيا وريثة الإتحاد السوفيتي حتى الساعة ، ولهذا السبب ساندت اليابان أمريكا في حربها و الغرب لروسيا بالوكالة عبر الأراضي الأوكرانية ، وهو أمرغير مقنع ، وسبق لأمريكا أن استخدمت النووي المخفض في حادثتي " العامرية "عام 2019 ، و في مطار بغداد عام 2003" في العراق جهارا نهارا ، و الآن تتخوف أمريكا من اقتراب ايران من صنع قنبلتها النووية الأولى خوفا على أمن " اسرائيل " أولا ، وهي أمريكا نفسها التي تساند " اسرائيل " في مشاريعها الاستيطانية و الاحتلالية من دون دول العالم ، و تقارب عربي - ايراني كبير تحت المظلة الصينية تشهده المنطقة و العالم وله أسبابه ، وحديث جديد للوزير و السفير الدكتور مروان المعشر حول الدور الأمريكي المباشر و الإنفرادي في اسناد الإستيطان و الإحتلال الإسرائيلي عام 2004 وسط عشرة دول عالمية صوتت لإدانة الإستيطان و الإحتلال الإسرائيلي الغاشم، ونحن نعرف أيضا بأن أمريكا صوتت 43 مرة في مجلس الأمن مع بقاء الإستيطان و الإحتلال الإسرائيلي فوق الأراضي العربية في وضع مخالف لقرارات الشرعية الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة 181/2424.
والى أفغانستان ذهب السوفييت عام 1979 بدعوة من الحزب الشيوعي الأفغاني وسط الحرب الباردة مع الغرب دفاعا عن حدودهم الجنوبية لكي لا يرسو فيها السلاح النووي الغربي- الأمريكي ، ولم يقصدوا احتلال أفغانستان و الا لما خرجوا منها حتى الساعة ، وفي الحرب الفيتنامية عام 1955 وقف السوفييت مع جناح فيتنام الشمالي ،ووقف الأميركان مع الجناح الجنوبي ، و انتهت الحرب عام 1975 بإنتصار وحدة فيتنام و بإنسحاب أمريكا من هناك خاسرة، وكوسوفو قصفها حلف " الناتو " عام 1999 من دون إذن مجلس الأمن ، وحجته و بطريقة منفردة الحفاظ على أمن كوسوفو، خسر "الناتو " الرهان ، ونتيجة للحرب المقدسة عام 1817 ضمت روسيا القفقاس اليها ، وفي حربي الشيشان 1994/ 1999 طاردت روسيا الارهاب والتطرف الخارجي ، والى سوريا توجهت روسيا عام 2015 بدعوة من نظام " دمشق " لمساعدته في مطاردة الإرهاب الغازي له من 80 دولة ،و سبق لأمريكا أن دخلت سوريا عام 2011 من دون دعوة وواصلت تواجدها غير الشرعي هناك، وساهمت في مطاردة الإرهاب شكلا من دون مضمون و بمعايير مزدوجة ، وتمكن الروس من تفكيك السلاح الكيميائي للجيش العربي السوري الخطير آنذاك ، و ترحيله و تسليمه لأمريكا من جديد في البحر الأبيض المتوسط عبر جلسات " جنيف " و بالتعاون مع أمريكا نفسها ، ولم تتفق روسيا مع حلف " الناتو " في غزو العراق عام 2003 بحجة وجود أسلحة دمار شاملة ثبت عدم صحتها ، وبسبب حادثة الديجيل أعدم رئيس العراق المنتخب صدام حسين ، وهو الأمر الذي لم تتفق معه روسيا أيضا ، و لم تتفق روسيا مع غزو ليبيا واعدام الرئيس معمر القذافي ، ولم تتفق روسيا مع موضوع اعدام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عام 2017، وطالبت بحوار يمني يقود الى الصلح الوطني و للمحافظة على وحدة اليمن .
ورغم قناعة روسيا الاتحادية بعدم اختراقها للقانون الدولي في موضوع الحرب الأوكرانية الحديثة، الا أن الغرب يصر على إدانة روسيا وملاحقتها في كل المنصات الدولية القانونية مثل "مجلس الأمن ، والمحكمة الدولية ، و الأمم المتحدة ، و حقوق الأنسان ، و قمة العشرين ، ووسط مجموعة " البريكس " ، والعمل على ابعادها عن دورها القانوني المطلوب و عبر مجلس الأمن و الأمم المتحدة الى جانب القضية الفلسطينية العادلة ، وهي المطالبة علنا بدحر الإحتلال الإسرائيلي الى حدود الرابع من حزيران لعام 1967 ، و تقف مع تجميد الإستيطان الإسرائيلي ، و بدولة فلسطينية كاملة السيادة و عاصمتها القدس المحتلة ، ومع ترسيخ الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس ، وتعتبر روسيا الإتحادية ومنذ فرض الحرب الأوكرانية و مع حلف "الناتو" عليها أن عالم القطب الواحد انتهى الى غير رجعة، وتحالفات روسية جديدة مع شرق وجنوب العالم عبر الصين والهند وكوريا الشمالية ، وأفريقيا ، ولم يعد الغرب بالنسبة لها يشكل غرفة لقيادة العالم ، وأصبحت هي أي روسيا قائدة لعالم متعدد الأقطاب ، متوازن ، وباحثة عن التنمية الشاملة لصالح البشرية جمعاء .