خطّ عمان طهران : هل أصبح سالكا؟
حسين الرواشدة
12-03-2023 12:42 AM
حين استدعت الحكومة سفيرنا، في طهران، الصديق عبدالله ابو رمان، (نيسان 2016)، في اشارة للاحتجاج وتجميد العلاقات، لم يخطر في البال - على كثرة الاسئلة التي طرحت آنذاك - سؤال مهم، وهو: هل سترد طهران على الخطوة الاردنية باستدعاء سفيرها في عمان..؟
كانت الاجابة - وقتئذ- معروفة، أو من قبيل لزوم ما لا يلزم، لكن بوسعنا الآن ان نفهم، لماذا لم تفعل ايران ذلك ؟
هناك 3 اسباب في تقديري منعت الايرانيين من الرد آنذاك بالمثل، الاول رغبة طهران في استمرار العلاقة مع الاردن باعتبارها مصلحة ايرانية اولا، فمنذ بدأت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد الثورة لم تتردد طهران بدق الابواب الاردنية لتنشيط التعاون بينهما، كانت دائما هي التي تبادر لذلك، وربما ساهمت المرجعيات الدينية في «قم» بتصدير صورة مقبولة «للاردن الذي يحكمه الهاشميون من آل البيت» في ترسيخ مثل هذه الرغبة.
اما السبب الثاني فهو ادراك ايران بأن الاردن بحكم موقعه الحساس وظروفه الصعبة محكوم باضطرارات وتوازنات لا يستطيع ان يتجاوزها، في الازمة الاخيرة التي استدعت سحب السفير مثلا فهمت طهران الرسالة باعتبارها تضامنا مع الاشقاء في الخليج، (دول الخليج تربطها علاقات مع طهران، والسعودية وقعت اطار تفاهم مع طهران قبل يومين بوساطة صينية).
يبقى السبب الثالث وهو يتعلق باستراتيجية مدّ ( النفوذ ) التي انتهجتها طهران في المنطقة والعالم ( كبديل لتصدير الثورة)، والنفوذ هنا -انطلاقا من فكرة يثرب التي اشهرها لاريجاني- لا يتعلق بالمصالح السياسية والاقتصادية فقط، وهي مهمة بلا شك، وانما بفكرة الثورة وامتدادها الجغرافي على الارض ( الحكومة الاسلامية العملية لا مجرد العالمية).
فمن فوق برج «ميلاد»، غرب طهران ينظر الايرانيون للمنطقة والعالم من فوق، باعتبارهما مجالا للنفوذ او التمدد على الاقل، وقد ترسخت لديهم الفكرة (نجحت : ادق) بعد ان سيطروا على اربعة عواصم عربية على الاقل، وتغلغلوا في افريقيا وجنوب اسيا، وتجاوزوا عقدة النووي بتوقيع الصفقة مع الدول الكبرى (5+1)، ثم تجاوزوا ذلك الى علاقات شراكة استراتيجية مع موسكو وبكين.
اذا كان منطق طهران في ترسيم علاقتها مع محيطها، ومع الاردن تحديدا، يقوم على هذا النحو من التفكير، فان منطق عمان يبدو مختلفا، فالعلاقة مع طهران من وجهة نظر اردنية تخضع لاعتبارات سياسية وامنية متعددة ومتناقضة احيانا، بعضها يتعلق بالامن الوطني، وبعضها الاخر يتعلق بالرهانات والحسابات السياسية والاقتصادية مع الاشقاء والاصدقاء، وهي هنا معروفة ولا تحتاج الى تفصيل.
الان، بعد نحو سبعة اعوام على استدعاء السفير حدثت تحولات متعددة على صعيد الدور الايراني في المنطقة، ايران تحكم قبضتها على العراق، وتتمدد في سوريا، ولها نفوذ في لبنان واليمن، بمعنى انها تحيط بأهم حدود الجوار مع الاردن، ما يهم عمان هنا : الانفتاح على بغداد اقتصاديا وسياسيا، وضمان امن واستقرار البادية السورية الجنوبية، ومفتاح المسألتين مع ايران.
بموازاة ذلك، فإن الاتفاقية ( التحول الكبير : ادق) التي تم توقيعها بين الرياض وطهران، بوساطة صينية، لاستئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارتين والممثليات الدبلوماسية في غضون شهرين، كسرت حدة العداء التاريخي بين الطرفين، كما انها اسست لمرحلة جديدة من التحالفات والتسويات وانهاء الصراعات في المنطقة، واسقطت اسطورة (ايران الشيطان الاكبر ) او العدو البديل للعرب. بدل اسرائيل، وحررت بعض العواصم التي تضامنت مع السعودية ضد ايران، من الاستمرار بالقطيعة، فهل تفتح هذه الاتفاقية امام الاردن، التي رحبت بها، وغيرها من الدول العربية، الابواب الموصدة او المواربة مع طهران ؟
اذا اضفنا لذلك اصرار تل ابيب على معادلة تصفية القضية الفلسطينية، ثم محاولة استخدامها بعض الدولة العربية « كطلقة» جاهزة للتخويف من ايران، في اطار تحالفات مغشوشة، وغير ممكنة، فهل ستدفع هذه المتغيرات الجديدة عمان، لمدّ يدها الى طهران من جديد، أو للاستدارة نحو علاقات متوازنة معها، ان لم يكن للرد على تل ابيب وردعها، فلمصلحة علاقات متوازنة ومتنوعة، تصب اولا بمصلحتها، ثم تساهم، في اطارها الاوسع، بتعزيز المشتركات الحضارية، وبناء «تفاهمات» حقيقية بين «القوميات» الثلاث في المنطقة «الاتراك، العرب، الفرس» في مواجهة القومية اليهودية الدخيلة على المنطقة.
لا استبعد ذلك، فأمام الاردن تفاهمات مع بغداد ( انبوب النفط من البصرة للعقبة، ومذكرات التعاون الاقتصادي مثلا) لا يمكن ان تمر بسهولة دون «مباركة» طهران، (لاحظ ان وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبداللهيان حضر مؤتمر « بغداد للتعاون والشراكة» الذي استضافته الاردن بالبحر الميت)، وامام مبادرة الاردن لاعادة سوريا الى سكة الاستقرار والحل السياسي، ثم تنامي النفوذ الايراني بالجنوب السوري (تجارة المخدرات والارهاب مثلا)، قد يجد الاردن نفسه مضطرا لفتح ابواب التنسيق والتعاون، مع طهران لتأمين حدوده اولا، ثم لضمان نجاح اي عودة ممكنة للعلاقة مع دمشق مستقبلا.
على الرغم من ذلك، اعرف ان ثمة حسابات اخرى، داخلية وخارجية، قد تجعل عمان مترددة في تطبيع العلاقة مع طهران في هذا التوقيت، لكن ذلك لا يمنع من التفكير بترطيب العلاقة بين الطرفين على الاقل من خلال اعادة السفراء، وهي خطوة متوقعة، ولا اعتقد انها مكلفة سياسيا او صعبة، بل لا اتردد ان اقول : انها ضربة سياسية ملحة وضرورية ايضا.
الدستور