تسارعت العلاقات السعودية الايرانية بشكل ملفت وصولا الى عودة التمثيل الديبلوماسي, لكنها خطوة لم تباغت من يتابع الديبلوماسية السعودية, التي تسعى الى تصفير مشاكلها الاقليمية, والتفرغ للمشهد الاقتصادي الذي سيكون طريقها لقيادة الاقليم سياسيا, فالسعودية وفق كل المقاييس تسعى وبقوة الى حماية مصالحها، ارضى هذا ام اغضب, فحجم انفتاحها الاجتماعي قادها الى تحقيق قفزات اربكت خصومها واسعدت محبيها, فالمملكة التي كانت الى عهد قريب زعيمة الانغلاق الاجتماعي والثقافي العام, باتت رائدة في الانفتاح الذي وجد قبولاً واسعاً من الشباب السعودي.
القيادة السياسية للاقليم, كانت بحاجة الى انفتاح ثقافي واجتماعي, يضمن توفير مريدين في الاقليم, ويقلل من حجم الاحتكاك مع التيارات الليبرالية السائدة في عوالم الشباب العربي, الذي خرج من تجربة الربيع العربي اكثر احباطا على المستوى السياسي, واكثر انفتاحا على الحداثة الاجتماعية واكثر قبولا لثقافة التسطيح العام, فوفرت السعودية كل عوامل الاستقطاب هذا الجيل من خلال مبادرات قد يكون شكلها فنيا ورياضيا, لكن مضمونها حداثي بالمعنى العام ويكسر تابوهات في المجتمعات العربية كلها وليس في المجتمع السعودي فقط, وهذا يحتاج الى قراءة عميقة, ليس هنا مكانها, ولكن التاشير على الظاهرة واجب.
الخطوة السعودية ليست قفزة في الهواء, وبالضرورة قامت الخارجية السعودية بالحصول على تطمينات على الاقل في الخاصرة اليمنية التي ارهقت السعودية, ولا مناص من حل سياسي للازمة مع اليمن بعد ان غادر الحلفاء المربع السعودي, وتركوها منفردة في المستنقع, وهذا سينسحب ايضا على ملفات عالقة في لبنان وسورية والعراق, اي ان مدى النفوذ السعودي سيتوسع, بما يتناسب مع حجم طموح القيادة الشابة وحجم التأثير المطلوب للمروحة السعودية, التي تعيش اليوم وفرة اقتصادية ملفتة, وتعيش اكثر حالة طلب عليها من كبريات الاقتصاديات العالمية, التي بدأت خزائنها تعاني من نقص في السيولة وتراكم الازمات الاجتماعية التي تتبدى على شكل اضرابات في معظم عواصم القارة العجوز.
الخطوة لا يجب ان تُقرأ باكبر من سياقها, بمعنى انها انزياح سعودي عن علاقة تاريخية مع الولايات المتحدة, ولكنها شكل من اشكال اعادة التوازن للاقليم, فالولايات المتحدة اليوم امام خيارات التفاعل مع الحليف السعودي, وليس البقاء في خانة الحلف مع الاحتلال الصهيوني الذي تلقى ضربة موجعة وسيكون لها تأثير قادم على شكل الاقليم اذا ما نجحت الخطوة الديبلوماسية في انتاج توافقات سعودية – ايرانية على المفات الاقليمية, وستنجح السعودية في ازالة كثير من الضغوطات عن دول الاقليم.
اردنيا, الخطوة تزيل عن الديبلوماسية الاردنية كثير من الاعباء, اولها ان المشروع الاردني لحل الازمة السورية تلقى دعما كبيرا وباتت خطواته مدعومة وطرقه اقل انسدادا ان لم تكن سالكة, فنحن ايضا تربطنا علاقة ديالكتيكية مع السعودية رغم جدليتها احيانا, وثانيها ان ثمة ملفات مشتركة بين الاردن والسعودية من طرف والجمهورية الايرانية من طرف اخر, مما سيخفف الضغط على العصب الاردني حيال انفتاح مع ايران يجب ان يكون سريعا على المستوى الديبلوماسي, يليه انفتاح على المستوى السياسي, فنحن ايضا نعاني من اشكاليات مع الجوار بحكم الوتر المشدود في العلاقة مع ايران, بل ان لدينا ملفات متشابكة مع ايران تفوق اي دولة اخرى, وقد يكون من المناسب استثمار اللحظة بسرعة ووقار, لاعادة الدفء الى اوصال العلاقة الايرانية الاردنية, لانها مصلحة حيوية اردنية قد لا تحتمل التأجيل.
الرأي