اظهرت تسريبات موقع ويكيليكس تطابقاً في مواقف عدد من الدول العربية في المشرق مع المواقف الامريكية والاسرائيلية والاوروبية تجاه الملف النووي الايراني, فبينما هددت مصر بانها ستعمل على الحصول على سلاح نووي اذا حصلت عليه ايران فان عددا آخر من الدول ذهب الى حد تأييد ضربة امريكية. وفي الايام الاخيرة قرأنا مطالب عربية بالمشاركة في المفاوضات حول الملف النووي الايراني.
يصعب تفهم الدوافع العربية في الوقوف ضد المشروع النووي الايراني (الذي لا يزال سلميا حتى الان وفي المستقبل القريب), وكأن طهران سترسل صواريخها النووية لتدمير الخليج ومصر وبلاد الشام! فيما الصواريخ الحقيقية التي تهدد وجود وامن ومصالح الامة العربية هي في يد اسرائيل.
سياسة العرب تجاه المشروع الايراني ينطبق عليها المثل "ما قدر يركب على الحصان نط على السرج". فالواقع ان سبب غضب دول عربية على طهران يعود لتمدد النفوذ الايراني من العراق الى لبنان وغزة واليمن وفي عدد من دول الخليج, وتأثير هذا النفوذ المتزايد على مستقبل امن واستقرار الانظمة في اكثر من بلد عربي.
في المقابل لا نرى غضبا عربيا له اي وزن ضد اسرائيل, التي تستخدم تفوقها العسكري, بما في ذلك قوتها النووية, من اجل تكريس احتلالاتها في فلسطين والجولان وشبعا اللبنانية, وفي كلا الحالتين, الايرانية والاسرائيلية, فان العرب يواصلون القفز فوق السرج تاركين ظهر الحصان للآخرين لكي يصولوا ويجولوا عبثا وتخريبا وتحديا للمصالح العربية الحيوية, من الامن الى الاقتصاد الى حياة الشعوب ومستقبل اوطانها.
اذا كانت اسرائيل المدللة, ستظل محتفظة بـ (200) صاروخ نووي في قلب الوطن العربي ومنطقة الشرق الاوسط, رافضة الدخول تحت اية مظلة اممية لمراقبة سلاحها وانشطتها النووية, فان اي سلاح نووي آخر يظهر في ايران او باكستان او في مصر يصبح حقا لشعوب هذه المنطقة من باب الدفاع عن النفس, ومن المستغرب ان تربط مصر (مشروعها النووي) بحصول ايران على السلاح النووي, فيما لا تبعد الترسانة النووية الاسرائيلية (في النقب) عن حدود سيناء سوى بضعة كيلو مترات.
قصة الحكومات العربية المناصرة للمواقف الامريكية والاسرائيلية ضد الملف النووي الايراني, لا تتعلق من قريب او بعيد بمصالح الامة وامنها واستقرارها, لان البؤرة الخطيرة التي تهدد هذه المصالح موجودة فقط في الكيان الصهيوني وحروبه وقوانينه العنصرية واحتلالاته, انما تتعلق (بعجز الدول العربية) عن مواجهة التدخلات الخارجية في العراق وفلسطين ولبنان والسودان.. الخ.
إذا اراد العرب المذكورين, وهم يملكون القوة المالية والاقتصادية والتسليحية, التصدي للنفوذ الايراني, فالجبهة ليست في الملف النووي, الذي هو ملف غربي - صهيوني, انما في وضع كل ثقلها ومواردها وقوتها المعنوية والدبلوماسية لمساندة القوى العراقية العربية, التي تصارع وحيدة قوى التدخل الامريكي والصهيوني والايراني في العراق, هناك ميدان الفعل وليس اي مكان آخر.
وإذا اراد العرب ان يحموا شعوبهم واوطانهم من خطر الانتشار النووي, فالجبهة ايضا هي ضد اسرائيل وسلاحها واحتلالها, من خلال تشكيل قوة, او حائط عربي يستند اليه الفلسطينيون لمواجهة الاحتلال والاستيطان والتهويد, ولمواجهة امريكا التي جعلت من (الدولة المسخ) اسرائيل قوة عظمى وسط امة العرب والاسلام.
حاربوا النفوذ الايراني في بلادكم, بمساندة شعبي العراق وفلسطين من اجل التحرير والوحدة, وحاربوا الانتشار النووي من خلال اجبار اسرائيل على ادراج سلاحها تحت مظلة الوكالة الدولية للمراقبة, وصولا الى جعل الشرق الاوسط منطقة خالية من السلاح النووي, الى ان يحصل ذلك فان السلاح النووي الايراني لن يضر إلا الذين جعلوا بيوت اوطانهم ونوافذها مشرعة امام كل ريح صرصر.
taher.odwan@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)