الأردن يتصحّر ويتجوّف على مستوى الثقافة والفنون. لدينا طاقات خلّاقة في شتى الميادين، لكنّها بلا إطار، تعمل وحدها، وتُجبر أن تغيّر مهنتها (لاضطرارات العيش) أو تُهاجر، على قاعدة "لا كرامة لنبيّ في وطنه".
ليس لدى الدولة الأردنيّة أيّ مشروع رؤيوي يتّصل بتنمية القوّة الناعمة وإثرائها والاستثمار فيها. جرى تجريف الموسيقى، والمسرح، والعمل التلفزيونيّ، وتأثيم أصحاب المشاريع السينمائيّة الجَسورة الذين يعملون بمبادرات خاصة، ولا يكلّفون الخزينة فلساً واحداً، وفوق ذلك تُهاجَم "الهيئة الملكيّة الأردنيّة للأفلام"!
جرى وأد مشروع هو الأهم على المستوى العربي والمتمثل في المعهد الوطني للموسيقى الذي صنع أسطورة الأردن، وصار أكاديميّة مرموقة تخرّج الفنانين في شتى التخصصات. مات المعهد، وألحق ببناية تابعة لأمانة عمّان، وخفت صوت السماء!
ليس لدينا فرقة دبكة وطنية مرموقة تحمل ميراثنا، وتتغنّى بالأناشيد التي زرعها الرعاة منذ انبثاق فجر الغزل والأمل، لكنّ ذلك ذاب وأكله النسيان. كانت لدينا فرقة معان للدبكة، وفرقة الفحيص، وفرق أخرى لامعة. لماذا ماتت؟ لماذا ليس لدينا فرق للرقص، أو الباليه، أو معاهد مرموقة لصناعة الأزياء، وتعليم الرسم والفنّ التشكيليّ؟
كانت لدينا مهرجانات مسرح ذات جوائز قيّمة وعروض يتسابق إليها الممثلون العرب والعالميّون، لكنها اختنقت، وتحوّلت إلى مهرجانات صغيرة أشبه بالدكاكين والحوانيت.
التلفزيون الأردنيّ المليء بالطاقات جرى تحنيطه، ورمي العجز العام على كاهله، والتندّر بأنه "تلفزيون الميرمية"! وكذا جرى مع الإعلام والصحف والمواقع الإلكترونيّة، فأصيبت "الرأي" بالكساح، وما زالت "الدستور" تترنح، واختفت "العرب اليوم" من الوجود، وليس سوى "الغد" صامدة حتى الآن، لأنّ يد الحكومات لم تعبث بها. وفي المقابل ما زال طخ بعض النوّاب المتثائبين الذين "لا شغلة لهم ولا عَملة"، متواصلاً ضد تلفزيون "المملكة"، الذي رغم الملاحظات الكثيرة عليه، إلا أنه يبقى بقعة ضوء ساطعة في وسط عتمة إعلاميّة دامسة وعمياء.
ليس لدينا ما نصدّره للخارج ويكسر حاجز المحليّة. الله يخلف على عمر العبداللات وبقايا مهرجان جرش الذي يُحال مديره للتقاعد في عزّ عمله ثم يُعاد إلى موقعه (بلا أي تفسير أو توضيح!!) بعد أن رُمي لقمة سائغة في فم التكنهات والتأويلات واغتيال الشخصيّة.
روح الدولة تتآكل، وعقلها الاستراتيجي (إن كان لديها ذلك العقل) في سبات عميق.
عن ماذا سأحدّث، أنا المغترب، إذا سُئلت عن بلدي. أعنِ المنسف، مثلاً؟!.