اوروبا القارة العجوز. والعجوز المقصود هنا ما عناه وزير الدفاع الامريكي الجنزال رامسفليد عندما وصف اوروبا بانها شائخة.

القارة العجوز التي اقترنت في حقبة الاستعمار والتمدد الكولوني خارج حدودها الجغرافية، واوروبا احتلت العالم، افريقيا واسيا، وامريكا اللاتينية.

و من المقاربات المغلفة بالمركزية الاوروبية في سردية كولومبوس واكتشاف امريكا. وتروي قصة كولومبوس وغيره من مستعمري ومستوطني وغزاة اوروبا لامريكا بوصفهم من طلائع المكتشفين والفاتحين.

ووراء فكرة الاكتشاف يكمن خيال اوروبي سياسي مريض، ويعود الى تاريخ من الاستعمار الأوروبي والذي قسم العالم الجديد ما بعد غزو امريكا بين الاسبان والبرتغال، وسمحت للأوروبيين باستيطان «الاراضي المكتشفة» من دون ادنى اشارة الى اصحابها الأصليين.

وما بين اوروبا القديمة « الكولونيالية « والجديدة « العجوز « التي تبحث عن ادوار، وتaبحث عن اساليب ناعمة لتمديد صلاحيتها ونفوذها في مجالات جغرافية في افريقيا واسيا وامريكا اللاتينية، ودول مستعمرَة اعلنت لمرتين واكثر عن رغبتها بالتخلص من الاستعمار والسيطرة الاوروبية.

في افريقيا اعلن الرئيس الفرنسي ماكرون قبل ايام عن نهاية عصر افريقيا الفرنسية. واكد ان فرنسا صارت اليوم محاورا محايدا.

وفيما تواجه فرنسا ودول اوروبية اخرى شريكة في ارث الاستعمار سؤالا كبيرا وعريضا من احفاد متضرري الاستعمار عن حقوقهم والتعويض، والسؤال عن استعمار امتص نخاع الاجداد واعاق ديناميات التطور والنمو في بلدان لا يتسامحون بسهولة مع الماضي.

من وراء الانسحاب الاوروبي من افريقيا يبدو انه لصالح لاعبين دوليين كبار جدد، الصين وروسيا وامريكا، وفيما يهمش الدور الاوروبي ويجهض، ويذهب الرئيس الفرنسي هناك لاعلان نهاية العصر الفرنسي من افريقيا.

و القارة العجوز تعج بالتناقضات ومخلفات وتوابع حرب اوكرانيا تدفع ثمنها دول اوروبا، وحيث فضحت الحرب انياب اوروبا الرخوة، وامكاناتها الذاتية الاقتصادية الهشة، وما تواجه من تحدي وازمة بالطاقة والامن الغذائي، وانسحابها بالحلبة الدولية من المركز الى الهوامش.

اختبرت حرب اوكرانيا القارة العجوز التي تراوحت بين زمنين ومفهومين، واحدهما رسمي وهو اشبه ما يكون مصابا بالعصاب، ولا يتخلى بسهولة عن اوهام اوروبا المركزية والاستراتيجيات الموروثة في السيطرة والتبعيات، وفيما الاخر شعبي ينحاز الى حالة اللاحرب، ويدعو الى كف يد اوروبا عن التدخل في الحروب، وترك شعوب الكرة الارضية وحالها، ويكفي ما دفعت من اثمان لنيل استقلالها وحريتها.

وخرجت مظاهرات في باريس وروما ومدريد وبرلين تعبر بالرمزي المتاح عن اعتراضها على حرب اوكرانيا غير المبررة وتدخل الناتو، وتدعو الى وقف حرب اوكرانيا، وكما ان المظاهرات عصفت في البرود السياسي والأخلاقي الأوروبي.

و فيما خرجت من دعوات ايضا لانشاء ناتو أوروبي، حلف عسكري اوروبي منفصل عن الناتو الغربي « الامريكي «.ردود الفعل على الناتو الاوروبي جاءت من سياسيين ومفكرين وعسكريين اوروبيين يسعون الى فك الارتباط مع امريكا والناتو الامريكي، وهؤلاء كانوا اكثر حساسية فيما واجهت اوروبا من مشاريع زاحفة للامركة، وان كان هذا المصطلح تم تجميله والتخفيف من استفزازه القومي عندما تحول الى عولمة .

العالم يتغير كثيرا بعد حرب اوكرانيا.. دول فقدت نفوذها، تبدلت الادوار ما بين المد والجزر والانحسار، فبريطانيا على سبيل المثال لم تعد عظمى فعلا، ولم تعد من باب السخرية ولا التندر في السؤال عن شرعية جلوس بريطانيا على مقاعد مجلس الامن الدولي وبقائها في نادي الدول الخمسة الكبرى.

(الدستور)