من اشد الامور والقضايا التي دائما ما يركز عليها الملك في توجيهاته للسلطتين التنفيذية والتشريعية هي التقييم والمساءلة للسياسات والخطط التي تم تنفيذها في محاولة لفهم الواقع واستخلاص العبر وتجنب الاخطاء وتنظيم الفوائد.
على الصعيد الحكومي لم نسمع لغاية الآن من أية حكومة انها قامت بتقييم ادائها او برامجها رغم انشغال عدد من الحكومات السابقة بوضع وزير معني بمراقبة الاداء الحكومي, لكن للأسف فان مسألة التقييم والمحاسبة بقيت في ادراج المسؤولين حبرا على ورق.
بالنسبة لمجلس النواب فقد كانت المجالس السابقة شريكا للحكومة في التستر على قضايا وجد الرأي العام فيها شبهات فساد ولم يتم تحريك ساكن تجاهها مثلما حدث في تقييم برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي وتقرير لجنة النظر في عطاءات العقبة ومشاركة بعض النواب في تمرير صفقة سكن كريم بعد ان منحتهم الحكومة عطاءات تنفيذه.
اليوم نحن امام مجلس نواب جديد, وغالبية اعضائه يعتقدون ان لا فضل حكوميا عليهم بالفوز, لذلك من المفترض ان يتعاملوا مع الحكومة وفق المنهج الذي حدده خطاب العرش للعلاقة بين السلطتين واتباع التقييم والمراجعة ومن ثم محاسبة المقصرين.
امام السادة النواب جملة كبيرة من القضايا التي يتفاجأ الشارع من موقف الجهات الرسمية تجاهها وعدم مبادرتها لحلها, من ابرزها ملف محطة الـ atv التي استثمر فيها عشرات الملايين وما زالت واقفة على حالها دون تشغيل, فالمستثمر لم يحصل على رخصة والحكومة لم تسو المسألة مع الجهات المعنية ولا هي قامت بشراء المحطة والخاسر هو الاردن, ضياع في الاموال والموارد والاعلام.
سكن كريم وما شابه من عطاءات جرى تلزيمها لبعض النواب, وهو ما افشل المبادرة التي هي اصلا كانت خيالية وقت اطلاقها, وتتحدث المصادر الرسمية عن ان تكلفة الثمانية آلاف شقة التي جرى بناؤها تجاوزت ال¯ 420 مليون دينار, فهل يعتبر هذا فسادا أم لا?
برنامج التحول الاقتصادي الذي انفق اكثر من 356 مليون دينار من اموال المساعدات وعوائد التخاصية دون ان تكون هناك رقابة في آليات الانفاق والمساءلة, أليس في هذا ضياعا للاموال وبعثرة للموارد المحدودة اصلا?
صفقة نادي باريس التي تم بموجبها استخدام كامل عوائد التخاصية (1.6 مليار دينار) لشراء جزء من ديون نادي باريس, ليُعاد بعد اشهر قليلة من الصفقة الى استدانة الحكومة اضعاف ما كانت عليه في السابق خاصة داخليا حيث تضاعف الدين من 1.2 الى اكثر من 7.5 مليار دينار, فما رأي النواب بهذه العملية, وما هي جدواها ولماذا تم تنفيذ الصفقة في ذلك الوقت رغم ان سعر الخصم كان قليلا واليورو كان بارتفاع?
عطاءات العقبة التي أعد المجلس النيابي السابق تقريرا مفصلا عنها ثم خبأه في ادراجه كالعادة.
ما يدور في الموارد التي اقترضت ملايين الدولارات بكفالة الحكومة التي تسدد الآن قروض الشركة المتعثرة, أليس من حق الشارع العام الاطلاع على ما يجري فيها وما حقيقة ما يقال عن انشطتها?.
لا شك ان هناك الكثير من القضايا التي ما زال اثرها يعصف بالمجتمع وتداعياتها تلقي بظلالها على جميع الانشطة الاقتصادية في المملكة ويدفع الاردنيون ثمن تلك الملفات العالقة, مجلس النواب مطالب اليوم بترجمة التوجيهات الملكية على ارض الواقع في التقييم والمساءلة, لا ان ينتظر مبادرة الحكومة في تقديم ما تراه مناسبا من ملفات, فالنواب هم الاساس في الرقابة وليس الحكومة.
salamah.darawi@gmail.com
(العرب اليوم)