لمحته من بعيد وشككت في البداية واتهمت نظري بالزغللة لأن نظري ليس ستة على ستة لكنني استدركت وقلت لنفسي بل أنت بعيد النظر وترى عن بعد رغم انك لست " زرقاء اليمامة". عدت بالذاكرة لخمسين سنة وبدأت بتركيب صورة صديقي الشاب على هذا العجوز المسن ذي التجاعيد حامل العكازة وهو ينتظر دور الذل في صفوف طويلة ليحجز فرصة لسحب الدم وصورة الأشعة. نعم انه نفسه الشاب الأشقر المتألق الغيور الحريص على دعوة طلاب إلى الصلاة والأدب والأخلاق. نعم انه هو!. ما فعلت بك السنون والأيام؟. تذكرت المرحومة استاذتي بنت الشاطئ وهي تشرح لنا عام ١٩٧٣ في جامعة القرويين في فاس / المغرب ، سورة.
" العصر " فرأيت الزمن قد عصر صاحبي وزميلي ورفيق الصبا. عصرته فتقوس ظهره، وشاخ قبل أوانه. من خلال صورته جاءني شعور فنطق لساني مخاطبا" الدنيا " كم أنتِ حقيرة " نعم حقيرة نلهث وراءها بينما هي لا تستحق. انها تسحق الذين ظنوا بها الخير وإذ بها كالعجوز التي وضعت المكياج تطلب شبابها دون جدوى !! التجاعيد واضحة، وانحناء الظهر وارد، وتلعثم اللسان، وتدافع الكلمات بطريقة فوضوية. انها الدنيا التي غرت فرعون وهامان وأبا جهل. ذهب قراقوش وماركوس وفرانكو. ذهبت الأموال والقصور والخدمة والحشم. وصار المنافقون يبحثون عن فرعون جديد لينافقوا له فيعطونه مدحا" ويذلون له لا حبا" بل لينالوا منه لعاعة.
الدنيا حقيرة لأنها تخدع الجميع إلا من رحم اللهُ وهم قليل. نراهم يتركون المليارات والقصور والأرصدة والمواقع ويُتركون تحت التراب للديدان ثم لا نتعظ . الموعظة الحقيقية ليست دموعا" نذرفها بل سلوك نتمسك به وزادا" نحمله ليكون هو المؤنس في ظلمة القبر . يدفنك أقرب الناس إليك ثم يعودون الى مناسفهم وبعد حين يذهبون لتوزيع ما تركت .
لا تغرنكم الملعونة ولا تركنوا إليها فلا ينفع المال ولا المُلك ولا المنصب ولا الجاه . ينفعكم رضا الله وحبه وطاعته . نعم لا بد أن نعيش ولكن من أيقن أن الموت قادم والكفن ينتظر والمشيعون جاهزون فكيف يقر له قرار .
عش ما شئت فإنك ميت
وكما تدين تدان.
احمل معك عقيدتك التوحيدية وصلاتك وأمانتك وأخلاقك الطيبة مع الناس ، فلن يقولوا كان يلبس كذا او يأكل كذا بل يقولون كان طيبا" أو غير ذلك .
كن على موعد مع لحظة الرحيل المحددة.