تفعيل ولم شمل عائلة مالية
د. بسام الساكت
05-03-2023 09:58 AM
سوق رأس المال والاسواق المالية الماثلة هي حوض تجميع للسيولة النقدية عند الافراد والشركات لغاية تداول الاوراق المالية والاستثمار وتعزيز قطاع الخدمات المالية. وأهم هذه الاوراق، الاسهم والسندات (السهم ورقة وهي حصة في رأس مال الشركات، والسند ورقة مُقرِضٍ للدولة او للشركة، وبعائد، وتستحق بتاريخ معين). إن تداول الاسهم والسند في سوق عمان المالي يحشد الادخارات للاستثمار وتنمية الثروات. وعائد الربح الموزع للسهم حين يضاف اليه ارتفاع سعره، غالبا ما يكون اكبر وأجدى من فائدة الايداع النقدي الذي يذيبها التضخم.
لقد تراجع السوق بفعل الازمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨، وتداعياتها، والاوضاع الإقليمية والدولية غير المستقرة، وتراجع الطلب على الاستثمار في الاوراق المالية نتيجة التفضيل النقدي والتوجه للاستثمارت السائلة وقليلة المخاطر، كالودائع المصرفية وسندات الخزينة (معشوقة البنوك اليوم). كما وتراجعت ثروة المستثمرين بالاوراق المالية بفعل انخفاض القيمة السوقية للموجودات، وكورونا، وانخفاض التدفقات الجديدة من الخارج. وتراجعت ارباح الشركات متأثرة بكافة تلك العوامل، ناهيك عن تراجع نمو الاقتصاد الوطني بشركاته الصناعية والزراعية والخدمية. وأضحى حجم التداول في السوق المالي صغيرا.
يتعافى اليوم سوق رأس المال تدريجياً، لكنهه يأخذ وقتاً طويلاً، إن لم نُفعِّلُه بذكاء ومهنية. فمنذ سنتين ارتفع التداول من ٥ مليون دينار عام ٢٠٢٠ الى ٨،٨ ملايين يوميا. في حين كان يتجاوز الثمانين مليون يوميًا في سنين نهضةٍ عديدة سبَقَتْ. ويبلغ اليوم عدد الشركات المدرجة الرابحة في السوق ١١١ من أصل ١٦٩، منها ٥٤ خاسرة. وعدد الشركات في قطاع الخدمات والمال ١٣٢، ساهمت في رفع ايرادات الضريبة ب ١٢ بالمئة. وارتفع المؤشر القياسي للسوق الشهر الحالي الى ٢٦٣١، وهو الاعلى منذ ٢٠٠٩، رغم انه لم تدرج فيه منذ سنين أيَّة شركة مساهمة عامة جديدة إلاّ «واحدة » هي شركة الشرق الاوسط القابضة. ان استمرار ضعف السوق، ووجود شركات وساطة ايرادها لا يغطي نفقاتها التشغيلية، أمر غير محمود ولا يشجع المستثمرين.
إن بنية سوق رأس المال التحتية متوفرة وهي ركن مُطَمْئن. فلدينا سلطة رقابية ناضجة ضابطة، هي هيئة الأوراق المالية، ومؤسسات"عائلة السوق» أجهزة موثوقة، حافظت على استمرار ثقة غير الاردنيين. حيث يملكون حوالي نصف القيمة السوقية للبورصة: هناك بورصة عمان، ومركز ايداع الاوراق المالية، كلاهما يتمتع ببيئة فنية وتنظيمية وفق احدث المعايير الدولية وفيها التداول والافصاح الالكتروني، سبقت كفايتهما معظم دول الجوار بسنوات، رغم تسرُّبِ نخبة كبيرة من كفاياتها بفعل عوامل منها: ارتفاع الطلب على هذه الكفاءات في دول الخليج؛ وهجرة بعضها بفعل إجراءات إعادة الهيكلة السلبية التي حيَّدت من استقلالها كجهة رقابية، بل وأخضعتها لتشريعات مدنية لا تتفق مع اهدافها ولا مع المعايير الدولية. وتحتاج الهيئة اليوم الى جهد متكامل «فوري» لإعادة استقلالها أسوة بالبنك االمركزي. ففي الهيئة وعائلة السوق من بورصة عمان ومركز الايداع، أجهزة وأنظمة دولية، ورقابة على التداول والتسجيل الكترونية، مرموقة، تطمئن المستثمر وتُعلي سيادة القانون، وبها كوادر مهنية ذوات خبرة، ليس فقط لإطفاء الحرائق، بل الوقاية منها وتطبق القانون بمرونة. وتتيح للشركات توفيق وتصوب أوضاعها. كما وان شركات الوساطة قادرة على استقطاب شركاء استراتيجيين.
إن السوق المالي عندنا هو «سوق المشترين «المستثمرين، واسعار الاسهم مناسبة للمدخرين، وبه شركات ناجحة واخرى خرجت بفعل عوامل السوق. وهناك شركات في التقنية والاتصالات والبنوك ناجحة، وأخرى واعدة، بالرغم من ان اسعار اسهمها انخفضت، دون مبرر؛ ولا تعكس اسعارها الجدوى الحقيقية لها، بل تعكس البيئة السياسية والاجتماعية المحيطة الطارئة؛ وضبابية في قراءة البيانات المالية لها؛ وحذرٌ وتحفظ غير مبرر عند البعض أو عند المؤسسات؛ وغلبة توجه مبالغا فيه، عند الجمهور، للاحتفاظ بالنقد. إنّه يجمِّد التعامل والاستثمار.
ان تفعيل سوق رأس المال ولَمّ شمل عائلة المال، امر منشود ومحمود. فلدينا ثلاثة اطراف رقابية: البنك المركزي-سلطته على المصارف وشركات التأمين (السياسة النقدية) «-وهيئة الأوراق المالية-سلطتها على الشركات المساهمة جميعها ومنها البنوك (سياسة سوق رأس المال)- حُيِّدَ من استقلالها بفعل إعادة الهيكلة. وهناك وزارة المالية(السياسة المالية).وهناك بورصة عمان ومركز الايداع - هنا مؤسستين على مستوى دولي بالتقنية والخبرة. وأرى حاجة ماسة، اليوم، أن تلتقي السلطات الرقابية «عائلة السوق» ممثلة بالبورصة والمركز، بالإضافة الى جمعية وسطاء السوق، «بلقاء خاص هادف «مُبتعدين عن الأنا والانفرادية، لمراجعة وضع سوق الاوراق المالية، ناهيك عن ضرورة لقاءاتهم الدورية. فسوق رأس المال يحضن، ما نسبته نصف الدخل المحلي الاجمالي ونصفه ملكيات المستثمرين الاجانب؛ وهو مرآة المستثمرين عن الوضع الاقتصادي، وجدير بحثة وتفعيلة بشكلٍ جماعي تنسيقي، للتكامل ولإزالة اي تضارب بين السياسات، ولتحفيز بعضها البعض، فنتاج أعمالها تصب في وعاء مستطرق- هو التنمية.
وتحضرني الافكار التالية: حتما إن القائمين على سياسات الاستثمار والرقابة السابق ذكرهم، يدركون مرمايَ، فهم أقرب اليوم مني إليها. فلقد تجاوزت المواقع الرسمية، ولم أتجاوز عن الاهتمام الوطني. وما اقوله هنا يصب ويعزز من جهودهم واهداف «رؤية التحديث الاقتصادي» تلك التي ينشدها جلالة الملك. ونحن معه، إن تفعيل سوق رأس المال،
ومعالجته لا يعدُّ تدخلا، ولا يعني إلاّ التعاون الحثيث المهني الهادئ وحوكمة رشيدة بين السلطات الرقابية الثلاثة. فذلك شأن جوهري الآن، ودائما، وممارس دولياً. فمثلا، لا يتخذ البنك الفيديرالي الرقابي الاميركي أيّ قرار تغيير بالادوات النقدية، إلا وعينه الثانية على ابعاده على أسواق رأس المال وعلى المستثمرين.
١- مطوب مراجعة كوابح وحوافز الضريبة على «صناديق الاستثمار المشترك» ذلك لتعميق الاستثمار المؤسسي "في البورصة دون اقتصاره على الافراد.
٢- إدخال مَهَمَّةً واضحة في اهداف «صناديق الاستثمار الجديدة «وهي كثيرة في البنوك وغيرها، تنص على الاستثمار في سوق عمان المالي.
٣-مراجعة أيّ عبء ضريبي على محافظ المصارف بهدف تيسير متاجرتها في البورصة.
٤-إدراج الشركات الحكومية الناجحة في السوق، كما هو الحال في بورصات الخليج والعراق وغيرها. فتلك اداة تعمق السوق.
٥-تعميق السوق من خلال اصدار وتداول سندات حكومية بفئات صغيرة للافراد وتلك التي ترتاح لها وتعشقها البنوك حاليا.
٦- تشجيع تداول وإصدار سندات تنمية مشروطة بمشاريع وهادفة.
٧-وضع حوافز ضريبية للشركات حديثة التأسيس.
٨-مراجعة ضريبة التداول بهدف الغائها.
- مراجعة نسب ومعايير الملاءة المالية ورفعها (اي نسب الذمم المدينة الى حقوق المالكين.
10- تيسير اجراءات رفع رؤوس اموال الشركات.
١١- يحتاج القطاع الخاص الى اصلاح معرفي، ومهني لحشد الحسِّ المجتمعي لديه ولتصبح الرأسمالية عندنا رأسمالية ذات قلب كبير.
١٢- وعلى ضوء حكمة «الاوراق النقاشية الملكية»، يمكن تكليف فريق من ذوي الخبرة في مراجعة اجراءات العمل في دوائر القطاع العام (طريق الالام)، بهدف تقليصها وإزالة الكوابح البشرية والتشريعية، ووضع «ورقة بيضاء نافذة» ليعود بعدها القطاع العام رمزا للاداء.
١٣- تنفيذ المسؤولين ما ورد من «إضاءات الاوراق الملكية» ليتعرف كل مسؤول ميدانيا وضمن اختصاصه، على نبض الوطن ومواطن ومواقع العزم ومواقع النِّعَم، وليفعِّل دوره بربطه بالاجزاء الاخرى؛ وإزالة كل يدٍ أو عدوان على الحقوق وعلى قيم المسؤولية العامة.
١٤- التأكيد على التفاؤل رغم الظروف، حتى نحصِّن الفرد وليتجذّر اعتزازه بوطنه ولكي لا تكون مسيرتنا ردود فعل آنية ظرفية؛ وان يقوم كل فرد بواجبه بعيدا عن التباكي وجلد الذات؛ فكلاهما يشلّ روح العمل والانتاج.
١٥- «لا أمراء بيننا، إلاّ أمراء بني هاشم» ؛ ولا يحق لمسؤول عام الانفراد بالسلطة وإساءة استخدامها والابتعاد عن مَهَمته ؛ولا ان يكون اسير ذاته ؛ففي ذلك مجافاة للعدل.
فالتنمية المنشودة، بنظري، تربط المسؤولية بالمساءلة، ولا تتم ولا تكتمل ولا تستدام الا بالحشد الداخلي بمشاركة المواطن بالمسؤولية وبالانجاز ودفعه الضريبة المستحقة عليه وتذوُّقه ثمار التنمية. إن في ذلك شاخصة وبوصلة الامن الاجتماعي والاقتصادي. وصدق الكاتب المرموق من اهل القلم، سامح المحاريق، في صحيفة الرأي يوم ٢٦/٢/٢٠٢٣ صفحة ٣٢،/لا مارشال جديدا في الافق/ رداً على كل من يتطلّع للمساعدات الخارجية، «بعيدا عن تقديم اولوية» حشد قوى الوطن في الداخل. فيرد الكاتب وبشفافية هادفة، وبما معناه: ألاّ نركن على الخارج، لان الواقع الدولي والاقليمي الراهن، لا يوجد فيه مارشال دولي يقدم خطة عون مخلصة تُّسعِفُنا. إن «المشروع الكبير» باعتقادي والذي يسعفنا، يبدأ من الداخل. وهذا بنظري هو القول الفصل.
(الراي)