هنالك تركيز منذ مدة، في سياقيّ التعليم المدرسي والجامعي، على موضوع التدريس؛ وبالذات فيما يتصل بأشكاله وأساليبه المتناغمة مع حاجات المُتعلّم.
والحديث هنا ينصبّ على أمرين أساسيين، من بين عدة أمور أخرى:
الأول ويؤكّد أن يكون التّعلم محور عملية التدريس، بحيث يُبنى المحتوى التعلّمي على نتاجات تعلّم محددة، وليس فقط على أهداف، وبحيث يكون المُتعلّم نشطاً لا مُتلقياً، وبحيث يكون هنالك اهتمام واضح بمهارات التعلم الذاتي، من أجل تشكيل شخصية مُتعلم مُستقل قادر على التعلم ذاتياً ومدى الحياة.
أما الثاني فيؤكّد تنوّع أشكال وأساليب التدريس والتعلم بحيث تُلائم سمات المتعلمين الذي يختلفون اختلافات جليّة في طرق التعلم. وكَلِمَتا «تنوّع» و «تعدّد» حاسمتان هنا، لأن المتعلمين ليسوا من صنف واحد، بحيث تُقدّم لهم طريقة واحدة كما يحصل في أحيان كثيرة حالياً؛ فمنهم من يتعلم بفاعلية عن طريق الكلمة والنصّ والفكرة المُجردة، قراءةً أو استماعاً، ومنهم من يتعلم عن طريق الأسلوب التوضيحي أو الصورة، عرضاً أو مُشاهدة.
ومنهم من لا يتعلم بفاعلية إلا عندما يعمل بيديه أو يُطبّق أو يُنفذ مهمة أو مشروعاً.
ونتيجة لتنبّهنا لهذ الأمر منذ مدة، بدأنا نشعر في السياقين المدرسي والجامعي بتحوّلات مهمة في هذا الاتجاه، وممارسات فُضلى يُشكر القائمون على تنفيذها، مع أنّ الوضع بعمومة ما زال دون المأمول.
وعلينا الاستمرار بالدفع بهذا الاتجاه، وعدم الاكتفاء بما تحقّق هنا وهناك.
بَيْد أن الإشكال الأكبر، في تقديرنا، يكمُن في موضوع التقويم؛ وهو المكوّن الثاني، والمَنسي أحياناً، عند الحديث عن تطوير العملية التعليمية التعلّمية. إذ يُكتفى، في معظم الأحيان، بالتأكيد على أهمية التعليم والتعلم، وتطوير أساليبهما، وننسى أو نتناسى التأكيد على موضوع التقويم.
أمران مهمان على هذا البُعد:
الأول ويتمثّل في أنّ التقويم لا يكون هدفه الأوحد، كما هي الحال الآن، تقييم أو قياس تحصيل أو تعلّم المتعلم من أجل إعطائه علامة نهائية عليه، بل الهدف المهم، وربما الأهم، يكون في استخدام التقويم لأجل التعلم. بمعنى آخر أن يكون التقويم أحد أساليب أو طرائق التدريس أو التعلم الناجعة.
ومن هنا يركز علماء التربية والممارسون البارعون على موضوع التقويم البنائي (والذي يكاد يكون غائباً عندنا) أكثر من التركيز، أو على الأقل بنفس القدر، على التقويم النهائي.
أما الأمر الثاني فيتعلق بضرورة تنوّع أو تعدّد أساليب التقويم. مثلماً نُنوِّع أو نُعدِّد في أساليب التدريس أو التعلم، لأن المتعلمين يختلفون بعضهم عن بعض، فعلينا تنويع أساليب التقويم لنفس السّبب.
مع الأسف المُكوّن المُسيطر عندنا، لا بل الأوحد أحياناً، هو الامتحان. لا بأس في استخدام الامتحان كأحد أساليب التقويم المُهمة، لكن لا يجب أن يقتصر التقويم على الامتحان، وتُستثنى أشكال وأساليب قياس وتقويم أخرى مهمة، مثل التقارير، والمشاريع، والبحوث، والمهام، والواجبات وغيرها التي يُنفذها الطلبة، والتي تقيس أبعاداً مهمة من قدراتهم لا يستطيع الامتحان قياسها.
بيتُ القصيد هنا التركيز على التنوّع والتعدّد في التعامل مع شِقّي ثنائية التدريس والتقويم، لا الشق الأول وحده.
(الراي)