هل ستغير الأحزاب من بنية الدولة العميقة؟
د. أميرة يوسف ظاهر
01-03-2023 11:50 AM
الأردن بلد تلعب فيه فئة من الشخصيات أدوارا قيادية هامة، وهذه الفئة اكتسبت حضورها بسبب الولاء المطلق والكاريزما العالية، والالتصاق بأجهزة الدولة من خلال العمل المتواصل والإخلاص الكبير؛ ما أهلها أن تكون متواترة على قيادة أجهزة الدولة الرئيسية ومعاونة للملك فيما يذهب إليه من خدمة الوطن والمواطنين، وتشكل هذه المجموعة البنية التحتية للحكم، فيقوم أشخاص منهم بلعب أدوار قيادية تصل إلى رئاسة الحكومة، أو تقديم المشورة في تعيين بعض القادة الأمنيين والإداريين، ومنهم أيضا رؤساء الحكومات السابقين وبعض الوزراء والأعيان والقادة العسكريين المتقاعدين وشيوخ العشائر والمخيمات، ولاحقا قليل من الكتاب والإعلاميين وكبار رجالات الاقتصاد، ويكونون ممثلين في مجلس الأعيان في كثير من الأحيان، وفي المجمل يشكل هؤلاء دولة عميقة تساعد في إدارة الدولة بطريقة غير مباشرة.
وفي إطار الأوراق النقاشية وتخفيفا لما تسببه الحياة السياسية ووطء الدولة العميقة على قيم العدالة الاجتماعية والمساواة، والتنمية وتطور الاقتصاد، والديمقراطية الحقيقية، فقد نودي بتأسيس الأحزاب البرامجية، وتم تعديل القوانين التي تفضي إلى إعطاء حصة كبيرة نسبيا لها في مجلس النواب، والقيام بتعيين وزراء وأمناء عامين وموظفين كبار في الدولة ينتسبون للأحزاب، أو يقتربون منها، وهناك إرادة سياسية لتأسيس حكومات برلمانية ومجالس نواب منتخبة من الأحزاب في السنوات القادمة، وهذا كان صعب المنال في السنوات الماضية ما ينشئ توجها لتغيير البنية الأساسية للدولة العميقة ووضعها في مرمى الأحزاب.
ولكن هل ستلتقط الأحزاب هذه الإشارة وتذهب بها نحو الدولة العصرية التي ستبنى على دولة عميقة مكونة من ديمقراطية حزبية، أم ستتباطأ من خلال تشكيل قيادات حزبية تقليدية قادمة من رحم حكومات سابقة وهي أصلا جزء من الدولة العميقة التقليدية، أو من رحم مجالس نواب ومجالس أعيان سابقة، أم سيتسابق رؤساء الحكومات السابقين ونخب سياسية كانت محسوبة على الدولة العميقة لتشكيل أحزاب، كما يحصل الآن على أرض الواقع ليشكلوا أحزاب ويعتمدوا فيها على جيل جديد من السياسيين من شباب ونساء وحتى رجال كان لهم باع في العمل العام في السابق؟!.
إذا نحن لسنا في الطريق الذي أراده الملك إذا كانت هناك قيادات تقليدية تزاحم الروح الشابة التي تتوثب هنا وهناك، ولسنا نسير إلى ما سيعمل على نهضة الوطن فيما ندعي ويرغب الملك، ما دام هناك الكثير من مخلفات الدولة العميقة يجلسون في الصفوف الأمامية، تاركين لنا المقاعد الخلفية وتاركين لنا الأدوار الثانوية، وتاركين لنا العمل العام الذي يتصل بترتيب الأبحاث والدراسات والورش التدريبية، وتاركين لنا اكمال الأرقام دون أن نكون رقما، ومع هذا هناك ضوءا في آخر النفق يأتي بالخير ممثلا بالشباب الذي يصر على أخذ موقعه وسط كل هذا الضجيج، وبدعم من الذين يرون في مستقبل الوطن ما هو أهم من الالتصاق بالكراسي الأمامية لدى الكثير من القيادات التي تؤمن بأن هناك دورا كبيرا لها بعد خروج الكثير من رموز الدولة العميقة، ولهذا علينا أن نجلس معا لأخذ أدوارنا فيما يناسب قدراتنا، ويناسب الإمكانات التي بدأت تدب في الجسم الشبابي بعد أن سمحت لهم القوانين بالعمل الحزبي المبني على الديمقراطية والعدالة.
أعتقد أن الدولة العميقة الحالية تتآكل لصالح العمل الحزبي مع مرور الوقت، فالذين ما زال لوجودهم نشاز سياسي سيذهبون بفعل التقادم، وبفعل الطموحات غير المشروعة، ومع مرور الوقت سيكون متاحا لجيل جديد أن يمسك بزمام المبادرة لأجل وطن ينتظر الخلاص من تحكم فئة أعطت حق التوريث لنفسها في السياسة والاقتصاد وغيرها، إلى مؤسسات تتبنى برامج سياسية واجتماعية واقتصادية لتحمل وطنا ناهضا بأشخاص متساوين في الحقوق والواجبات.