تعريب قيادة الجيش .. نهضة جديدة
أمل محي الدين الكردي
01-03-2023 09:02 AM
منذ اندلاع الثورة العربية التي فجرها ملك العرب المغفور له الشريف حسين بن علي ،الجد الأكبر للمغفور له الملك حسين بن طلال رحمه الله، كانت الاقدار تهيأ الاردن للدور الرئيسي الكبير في حمل اعباء الرسالة التاريخية المقدسة ،ومواصلة خدمة قضية العرب على كل الأصعدة، فما كان الاردن منذ نشأته للاردنيين وحدهم، بل كان منذ البداية قاعدة للجهاد وملتقى للمجاهدين من كل صقع عربي، تجمعوا تحت الراية الهاشمية وغاية واحدة وهي متابعة الكفاح الذي شق دروبه بطل الثورة العربية الكبرى للتحقيق أماني العرب واحلامهم في استعادة أمجادهم حيثما كانوا.
وان لم تتوفر للاردن ما تقتضيه خدمة الرسالة من امكانيات ضخمة ،فقد وجدت في قيادة المغفور له الملك الحسين بن طلال -رحمه الله- من بعد قيادة جده المؤسس المغفور له الملك عبد الله الاول -رحمه الله- ما يعوض من هذا الافتقار، بكل ما تميزت به هذه القيادة من عزم وتصميم وصبر على المكاره، وايمان ثابت لا يتزعزع بالله وبالوطن وبمصير العرب المشرق ،وبهذه المزايا الفريدة تمكن الاردن من أن يتجاوز الصعاب المستمرة ،ويتغلب على المحن المتواصلة، فيخرج دائماً من التجارب الأليمة سالماً معافى قوياً متماسك الاركان ليستأنف مسيرته الجبارة في تحقيق ذاته وخدمة القضية العربية المقدسة، وهذا إن دل على شيء دل الى أي حد كان للمغفور له فضلٌ في قيادة هذا البلد العربي الصامد في دروب الشرف والشهامة والوفاء الكامل لمثل عليا وأهداف عربية رفيعة باتت للاردن دستور نبراساً يضيء له وللامة العربية جمعاء سبل النضال .
كان المغفور له منذ أن تولى سلطاته الدستورية يعمل دائباً في سبيل شعبه وبلاده وكان يود ان يجعل منها قلعة حصينة لا يستطيع احد أن ينال منها، ولكن الاردن كان في وضع يحسد عليه ويختلف اختلافاً كلياً عن الدول الاخرى، فالنكبة الفلسطينية أصابت الاردن أكثر من أي دولة أخرى .
ومن توثيقات الحقبة الزمنية لذكرى تعريب الجيش، أن المغفور جلالة الملك حسين رحمه الله إعتزم أن يتخلص من النفوذ الاجنبي في الجيش العربي وأحب أن يستوضح رأي رئيس الاركان من بعض الامور المهمة فاستدعاه للمقابلته يوم 29 شباط ووجه له السؤال الذي أنهى به علاقته بالاردن وسأله عن خطط بشأن تعريب ضباط الجيش، فرد عليه هذه مسألة ليست بسهولة كما انه لا يمكن ان تتم قبل عام 1985م شريطة أن يبقى رئيس الاركان بريطانياً وسأله المغفور له عن الذخائر، فأجاب بأنها قليلة لا تكاد تذكر أما السؤال الثالث كان عن فصل الشرطة عن الدرك وكان الجواب انه يتعارض مع الصالح العام .
وما كان من المغفور له في يوم الخميس 1 آذار الا ان ينهي خدمات رئيس الاركان، وكان جلالته يقدر الخطوة التي ستلحق بها، ولكن المغفور له إعتمد على ولاء جيشه وشعبه له وكان يمليه شعوره الوطني والكرامة والقومية، وطلب جلالته من رئيس الوزراء بعقد جلسة طارئة وبناء عليه كان القرار السامي بإنهاء خدمات غلوب باشا من منصبه وترفيع الزعيم راضي عناب لرتبة امير لواء وتعينه رئيس اركان الجيش العربي، وانهاء خدمات القائم مقام باترك كوجهل مدير الاستخبارات، وانهاء خدمات الزعيم هاتون مدير العمليات العسكرية، واستدعى الفريق غلوب وابلغه قراره وطلب منه مغادرة عمان، واستدعى راضي عناب وابلغه قراره، واستدعى السفير البريطاني وابلغه اعفاء الفريق غلوب من منصبه، وطلب منه السفير البريطاني اعادة النظر بقراره وعاد مرة اخرى وكان يحمل رسالة من المستر ايدن وكان يطلب منه التريث بهذه الخطوة، ولكن المغفور له كان حازم في قراره واعتزم عدم الرجوع به.
وفي صبيحة يوم الجمعة 2 اذار 1956 غادر غلوب في الساعة السابعة والنصف وهذه الخطوة التي كانت تحمل عبر الأثير صوت المغفور له بنبراته الشجية وألقى كلمته الى جنوده البواسل وشعبه الوفي ومن كلماته الرنانة التي انتظرها الاردنيين هنيئاً لك جيشك المظفر الذي وهب نفسه في سبيل الوطن ونذر روحه لدفع العاديات عنك .. وكانت الكلمات ترن كالأجراس على مسامع الاردنيين الذي كان عرساً وطنياً يملؤه الاعتزاز والافتخار بمليكه وجيشه.
هذا هو الحسين العظيم الذي سطر صفحة من صفحات التاريخ المباركة ليكون نهاية المعاناة وبدء المستقبل الجديد وعهد جديد ونهضة أمة، واليوم يتميز الجيش العربي بمكانة متميزة بين الجيوش العربية، واليوم ونحن نحتفل بهذا الحدث مع جلالة الملك عبد الله الثاني -حفظه الله- نستذكر شهدائنا الابرار الذين قضوا دفاعاً عن الوطن والامة وبذلوا ارواحهم ودمائهم الزكية للتعطر بها تراب الوطن رحمهم الله .
حمى الله الاردن بقيادته الهاشمية بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، وولي عهده من كل سوء، وأدام الله علينا الأمن والأمان، وكل عام والأردن وجيشه بألف خير .