يعتبر التحول الرقمي من أهم التطورات التي شهدها العالم في العقد الأخير، حيث يمثل تحولاً جذرياً في طريقة تفكير الناس والأعمال والمنظمات وحتى الحكومات. التحول الرقمي لم يعد خيارا للمؤسسات، بل نهجا للمنافسة في كيفية تطويع التكنولوجيا والمعلومات لتحسين تقديم الخدمة للعملاء والمراجعين، هذا النهج يؤثر على الطريقة التي نعيش ونتفاعل فيها مع بعضنا البعض.

يمثل التحول الرقمي نقلة نوعية في العديد من الجوانب المختلفة من الحياة، بما في ذلك الاعمال والتعليم والرعاية الصحية والخدمات الحكومية والمجتمع بشكل عام. ومن خلال التحول الرقمي تتغير طريقة عمل الشركات والحكومات وتفاعلهم مع العملاء والمراجعين، وتتحسن الخدمات المقدمة وتتسارع العمليات الإدارية، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتوفير الوقت والجهد وخفض الكلف وتحسين تجربتهم.

من المهم أن نفهم أن التحول الرقمي ليس مجرد تغيير في التكنولوجيا والمعلومات، بل هو تغيير في طريقة تفكيرنا وتفاعلنا وتعاملنا مع العالم، وبالتالي فإن التحول الرقمي يتطلب تبني رؤية واضحة وإعداد وتنفيذ استراتيجيات فاعلة.

تشمل التكنولوجيا المستخدمة في التحول الرقمي مجموعة متنوعة من الأدوات والتطبيقات والخدمات بما في ذلك الإنترنت والشبكات الاجتماعية والحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي والتحليلات الضخمة والتطبيقات الذكية وغيرها الكثير. ويشمل أبعاد التحول الرقمي مجموعة من العوامل المختلفة، بما في ذلك:

أولا: التحول من العالم الورقي إلى العالم الرقمي، حيث يشمل ذلك الانتقال من الوثائق الورقية والأشكال التقليدية في العمل والاتصال إلى التكنولوجيا الرقمية والاتصال عبر الإنترنت.

ثانيا: التحول في سلوك المستهلكين ومقدمي الخدمات، حيث يمكن للأفراد الآن البحث عن المنتجات والخدمات وشرائها عبر الإنترنت، ويمكن للشركات تحسين تجربة العملاء وزيادة الربحية عبر التحول إلى الأعمال الرقمية.

يعد التحول الرقمي من الأولويات الرئيسية للأردن في الوقت الحالي، حيث يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني وتحسين جودة الحياة للمواطنين. ويمكن الإشارة إلى أهمية التحول الرقمي في الأردن من خلال التأكيد على ان التحول الرقمي يحقق التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي ويعزز من التنافسية الاقتصادية على المستوى العالمي، من خلال دعم الابتكار والاستثمار في التكنولوجيا الحديثة وتطوير البنية التحتية الرقمية، كما يساهم في تحسين الخدمات الحكومية المختلفة مثل تطوير القطاع الصحي وتعزيز التعليم والتدريب عبر توفير الأدوات والتقنيات الحديثة التي تسهل عملية التعلم والتدريب، وتحسين الوصول إلى المواد التعليمية والمعرفية.

لذلك تسعى الحكومة الأردنية إلى تعزيز التحول الرقمي من خلال العديد من المبادرات والإستراتيجيات، منها الخدمات الإلكترونية، والتجارة الالكترونية والتعليم الالكتروني، لكن على الرغم من هذه الجهود والمبادرات في اطار التحول الرقمي الا انه ما زال هناك عدة تحديات تواجه التحول الرقمي يمكن اختصارها الى قلة الاستثمار في البنية التحتية لتقنية المعلومات، مما يجعل الأردن في مكانة غير منافسة في البنية التحتية الرقمية، مما يؤثر على قدرته على تقديم الخدمات الرقمية بكفاءة، ومن جانب اخر هناك تحد في مدى توفر الموارد البشرية الماهرة التي تستطيع تطوير التكنولوجيا وتحديث الأنظمة، مما يترك الكثير من المشاريع التقنية بدون دعم، كذلك ضعف البنية التحتية للاتصالات وهي القدرة على توفير بنية تحتية قوية للاتصالات اللازمة للتحول الرقمي، وهذا يشمل الألياف البصرية وشبكات الجيل الخامس 5G.، بمعنى اخر عند مقارنة التحول الرقمي في الأردن مع بعض دول الجوار فان الاستخدام الفعال لتقنية المعلومات في الخدمات الحكومية دون المستوى المأمول خصوصا فيما يتعلق بتحديث الأنظمة الحكومية وتطبيقاتها، مما يؤدي إلى تأخر الإجراءات الحكومية وزيادة تكاليف العمليات.

اما من وجهة نظر القطاع الخاص فان التحول الرقمي يواجه عدم توفر البنية التحتية القانونية والتشريعية للتحول الرقمي، فالامتثال للقوانيين التنظيمية مثل حماية البيانات الشخصية ومعايير الأمان السيبراني امرا لا يمكن تجاوزه.

من جانب اخر هناك نقص في المواهب الرقمية المطلوبة لتحقيق التحول الرقمي بمستوى ثابت، وقد يشمل هذا النقص تصميم البرمجيات، والتحليل البياني، والذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية.

اما فيما يتعلق بتحديات التكلفة فان التحول الرقمي يتطلب استثمارات مالية كبيرة في شراء وتحديث التكنولوجيا وتدريب الموظفين، وقد يشكل هذا التحدي عقبة حقيقية امام المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

امر أخر نود الإشارة اليه هو الثقافة الحاضنة للتحول الرقمي في الشركات والمؤسسات المختلفة، فوجود ثقافة مؤسسية تتبنى الابتكار والتغيير سيقود حتما الى تحسين الوعي المشترك بين مقدم الخدمة ومتلقيها ويعتبر ذلك جهدا عظيما يتطلب نشر القيمة الحقيقية لهذا التحول والتشجيع المستمر على تطوير ثقافة تقنية فيها، وهنا تلعب القيادة الرقمية دورا مهما في هذا المجال.

ومن خلال الاطلاع على بعض الدراسات التي تتناول التحول الرقمي وجدنا ان التحول الرقمي لن يحقق قيمة حقيقية للمراجعين والعملاء في غياب عمليات تكامل النظم والتطبيقات القائمة وقواعد بياناتها المختلفة، فذاك يحول دون تقديم خدمة نوعية متكاملة وفعالة. حيث يفتقد بعض العملاء الى الثقة بالتكنولوجيا والتحول الرقمي في الخدمات، مما يمكن أن يؤدي إلى تراجع الإقبال على استخدام هذه التقنيات اما بسبب ضعف الوعي والمعرفة بقيمة هذا التحول، او خوفا من التغيير والتعامل مع التطبيقات الذكية المختلفة.

وأخيرا يمكن استعراض بعض التوصيات فيما يتعلق بتسريع عملية التحول الرقمي في الأردن:

تحسين شبكات الاتصالات المحلية وتوفير الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة لتحسين الوصول إلى الخدمات الرقمية وتمكين الأفراد والشركات من التواصل والتعامل عبر الإنترنت. وتطوير المدن الذكية من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة والإنترنت لتحسين إدارة المدن وتوفير الخدمات الرقمية المبتكرة التي تسهل على المواطنين حياتهم اليومية وتحسن العمليات الحكومية، كما يجب تطوير استراتيجيات لحماية المعلومات والبيانات الحساسة المتداولة عبر الإنترنت من الهجمات الإلكترونية وتعزيز الأمان السيبراني، والاستفادة من تجارب الدول التي تمكنت من تجاوز هذا التحدي، وتطوير برامج تدريبية لتدريب المواطنين كيفية استخدام التكنولوجيا الرقمية والإنترنت وتعزيز الوعي بالقيمة.

كذلك دعم الشركات الناشئة من خلال توفير الدعم المالي والتقني للشركات التي تعمل في مجال التكنولوجيا والتحول الرقمي لتشجيع الابتكار وتطوير الخدمات الرقمية المبتكرة، وأخيرا تحسين التشريعات والسياسات التي تمهد البنية التحتية نحو الاستثمار بالتحول الرقمي.