عبد العزيز الدوري .. شيخ المؤرخين !
د. سحر المجالي
04-12-2010 03:06 AM
هناك الكثير من الناس الذي يغيّبهم الموت، وهناك من هم أموات ولكنهم يدبون على وجه البسيطة، والفرق بين معيشتهم ومماتهم أنهم فوق التراب أو تحته. وهناك الكثير من الناس الذين يولدون أمواتا فلا تراهم يتركون أثرا هنا أو هناك أو حتى انك تحس بوجودهم منذ أن جاءوا إلى هذه الدنيا وحتى يرحلوا منها.
ولكن هناك رجالا يولدون كبارا ويظلون يكبرون حتى يصبحوا فوق النسيان، وابعد من الذاكرة، وهؤلاء هم الذين يهيئهم الله جلت قدرته ليكونوا عظاما. يتركون بصمات في كل درب يسلكونه، وعلى كل ارض يمشون فوقها. هؤلاء يولدون حين يولدون عند ميلادهم ويولدون عند موتهم ، يظلون في الذهن ويظلون دائما ملء القلب والخاطر والوجدان.
لقد سكنت جوارح أستاذي، شيخ المؤرخين الأستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري ، قبل أيام، وهو في قمة عطاء الرجال الذين لا يكلون ولا يملون، فيه من صفات المؤمن بالله وبالوطن والأمة وبالناس كل شيء، وفيه من الاندفاع نحو خدمة الآخرين بما لا يمكن أن يدرك أو أن يحيط به وصف.
عرفته كما عرفه غيري وهم كثيرون ، كان له من سعة القلب والصدر ما يجعل كل صديق من أصدقائه يحس انه هو الأول عنده..عرفته أستاذاً جليلاً، منذ أن وطأت قدماي رحاب الجامعة الأردنية عام 1983 في مرحلة البكالوريوس وحتى أنهيت شهادة الدكتوراه عام 1995، كان لا يملك أعداء ولا يملك حاقدين. رصيده من هؤلاء صفر، فهو إن أصابه مكروه من احد بدأ يبحث له الأعذار ملتزما مقولة «التمس لأخيك عذرا» لذا كان البعض من زملائه يتعجبون كيف يمكن لإنسان أن يعيش دون عداوات.
حرك التراث والقيم وجعلهما دلالة على حيوية الشعوب وحيوية الدول. كان رقماً مؤرخاً- عربياً-إسلاميا فاعلاً لا يمكن القفز على دوره أو تجاهله، أعاد إلى الأذهان كيف كان يجب أن يتصرف العربي والمسلم الملتزم بقيم ومبادئ الأمة وتراثها. حرص على تعزيز كل القواسم المشتركة بين أبناء العرب المسلمين، ورفد كل ما من شأنه يجمع الكلمة ويوحد المصير. تعامل مع مبادئ التاريخ بعقلية المصلح البعيدة عن التعصب والاستقطاب، والنابعة من روح التراث و الشريعة ومصالح الأمة. آمن بأن العقلانية البعيدة عن الغلو هي مستقر العقل والقلب والنفس، وان ذلك هو المنظم الأول لنبض الحياة السياسية و الاقتصادية والاجتماعية للأمة. فكان أمينا صادقا أدى ما أوكل إليه بكل اقتدار وعزم وهمة.
كان باحثا وعالماً جليلاً، وعضواً فاعلاً في العديد من المنظمات والمؤسسات الفكرية والتاريخية العربية والإسلامية والعالمية، مؤسسا للعديد من المنتديات العربية والإسلامية التي تهدف إلى خير هذه الأمة ومنعتها.
عبد العزيز الدوري ، كان طاقة لا تنفد من العطاء ومن العمل، لا يضيع ساعة أو ثانية إلا ويغتنمها في سبيل رفع البنيان وتقوية الفكر والاجتهاد والبحث والتنقيب والتأسيس.
هذا الرجل لا يمكن أن يغيبه موت هو حق على كل مخلوق، ولكن كل ما كان أن توقف الجسد عن الحركة، إلا أن الروح ستظل ترفرف فوق كل منتدى عربي أو إسلامي يقوم على وجه الأرض العربية.
ستظل يا أستاذي الجليل الرجل الذي ملك ناصية العطاء والمحبة والاقتدار والجدية والقدرة، وسنظل نحن نذكرك، وسنظل على العهد معك. وما تكريم زملائك في قسم التأريخ في الجامعة الأردنية لروحك الطاهرة إلا غيض من فيض محبتك والإخلاص لروحك الطيبة.
وكل ما نقوله لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون وجملنا الله بالصبر بعدك.والسلام عليك في الأولين وفي الآخرين والحمد لله رب العالمين.
almajali74@yahoo.com
(الرأي)