لا نظن أن ثمة سرا يستحق أن يكون سرا فيما قيل عن برقيات السفارة الأمريكية في عمان حول آراء بعض السياسيين من قضايا العلاقة مع إيران، حتى ولو صنفت في عداد وثائق ويكيليكس المشهورة ولأسباب كثيرة منها: أولا، أن سياسة الأردن من موضوع برنامج إيران النووي سياسة معلنة ومعروفة أكد عليها جلالة الملك في كل لقاءاته الدولية. ولم تخرج أقوال السياسيين الأردنيين، موضوع برقيات السفارة، عن هذا الموقف الرسمي، ليس لأنهم ملتزمون به وحسب، بل لأنه، أيضا، موقف منطقي يخدم مصالح الأردن والمنطقة ولا يتنافى كثيرا مع مواقف إدارة أوباما حين دعت للحوار مع إيران حول برنامج الأخيرة النووي.
كما أن الأردن يعلن، باستمرار، إيمانه أن السبب الأول لعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط لا يكمن في البرنامج النووي الإيراني، بقدر ما هو في سياسة إسرائيل في تفجير كل محاولات السلام في المنطقة. إذا كان الأمر كذلك، فما معنى أن تعامل برقيات السفارة الأمريكية كأسرار تنشر ويثار حولها الغبار ؟
يدعونا التفكير المنطقي لترجيح احتمال أن تكون إسرائيل وليس موقع ويكيليكس هي التي كانت وراء مثل هذه اللعبة. فإسرائيل هي الدولة الوحيدة التي ترى بأن إيران هي سبب المشاكل في المنطقة وليس تعنتها وإصرارها على سلب الفلسطينيين حقوقهم ومحاولاتها المستمرة لفت أنظار العالم بعيدا عن ممارساتها الكولونيالية في فلسطين.
لقد قيل أن لدى وكيليكس أكثر من ربع مليون وثيقة تتعلق بسلوك الولايات المتحدة في مناطق الحروب التي علقت فيها مثل العراق وأفغانستان، ومؤخرا في التجاذبات غير الودية مع باكستان، وأغرقتها جميعا في طينها المتحرك، تستنزف قدراتها المالية والسياسية والعسكرية والخلقية؛ وأن واشنطن تحاول تقليل الضرر بمحاولة منع النشر بالتهديد، مرة، وبإعلان الحرب الإلكترونية على موقع ويكيليكس، مرة أخرى، كما حدث الأسبوع الماضي.
برقيات السفير من عمان ليست أكثر من رواية لأحاديث اجتماعية عامة جرت مع سياسيين أردنيين وهم يستضيفون دبلوماسيين أمريكان في بيوتهم، ويتبادلون حديثا وديا معهم لا يجب أن يفسر إلا كحديث عابر بين صاحب بيت وضيوفه. فأين من من وثائق ويكيليكس التي تخشاها واشنطن؟
كنا ذات يوم في الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة نتحدث عن هذه الوثائق وما ستنتهي إليه مستقبلا. وقد قر رأي أغلبيتنا، وبعد تحليل مطول لظاهرة ويكيليكس، أنه سيأتي يوم تبدأ إسرائيل فيه باستخدامها للفت الانتباه بعيدا عن ممارساتها العدوانية عبر تزوير الكثير منها لتبدو وكأنها أسرار تنشر عن أعدائها العرب.
وقدرنا يومها أن المستهدف منها سيكون الفلسطينيين، حماس وفتح، ووحدة صفهم ثم فتح جروح بينهم وبين العرب ثم بين هؤلاء كلهم وجيرانهم من الذين يمكن أن يرصوا صفوفهم ضدها وضد ممارساتها.
وتبين بأن التقدير كان صحيحا. فطرق إسرائيل في العمل صارت، كما يبدو، مكشوفة للجميع.
(الرأي)