بذل الأردن في الأسابيع الماضية جهودا كبيرة وتحركات مكثفة في محاولة منه لكسر الجمود والاستعصاء بين الفلسطينيين والإسرائيليين، واستطاع ان يجمع الطرفين على طاولة الحوار بعد سنوات من القطيعة بينهما بوجود مصر والولايات المتحدة ، عل هذه الاجتماعات تكون بداية لإعادة الصراع الى طاولة المفاوضات.
ليس ذنب الأردن ان إسرائيل حين انطلقت الاجتماعات أعلنت حربا على المدن الفلسطينية، وقتلت مواطنين فلسطينيين عزل، وتعالت أصوات داخل الكنيست تطالب الوفد الإسرائيلي بالانسحاب، وصادقت الحكومة الإسرائيلية على بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية المحتلة، وأقرت في القراءة الأولى للحكومة الإسرائيلية عقوبة الإعدام للمقاومين الفلسطينيين، هذه الإجراءات أظهرت السياسة الإسرائيلية بوجهها الحقيقي، خصوصا في ظل الحكومة الحالية التي أعلنت برنامجها بصراحة ووضوح وبدأت بتنفيذه منذ اليوم الأول لاستلامها الأمور هناك، بل ترفض حتى الحديث عن السلام مع الفلسطينيين من ناحية المبدا ولا تعترف بأي حق لهم.
دفعني الى الكتابة في هذه الموضوع بعض الكتابات والتعليقات للبعض حين ظنوا ان اجتماعات العقبة فشلت، وشكل هذا الفشل على حد قولهم انتكاسة للجهود الأردنية مع العلم أن الأردن منذ أكثر من ثلاثين عاما مشتبك على خط المفاوضات الفلسطينية الاسرائلية وخاض مع الطرفين جولات كثيرة، معظمها أدى الى تفاهمات انعكست إيجابيا على الأرض، وبعضها نتيجة التعنت الإسرائيلي لم تترجم على الواقع.
والأردن لاعب أساسي ومركزي في ملف القضية الفلسطينية، وشريك حقيقي لأن حل القضية الفلسطينية وإعادة الحقوق الفلسطينية لأصحابها مصلحة وطنية أردنية عليا، فوق أنها مصلحة فلسطينية، وقومية، وإقليمية ودولية.
في السياسة لا يوجد يأس، مهما طالت القضية وتعقدت ملفاتها، طالما أن هناك طرف حقوقه مغتصبة ولا يصمت عنها، وطرف آخر مصر على اغتصاب تلك الحقوق.
القضية الفلسطينية الآن على صفيح ساخن أكثر من أي تاريخ مضى، فالواقع على الأرض مشتعل، ذلك أن الجيل الفلسطيني الجديد لا يرى نورا في نهاية النفق في ظل انحياز عالمي لإسرائيل وواقع عربي مأزوم، ومرتد عن القضية، وسلطة فلسطينية في رام الله، لم يبق منها الا اسمها، والسجادة الحمراء وهويات ال VIP التي تمنحها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لقيادات تلك السلطة، لذلك كله فإن هذا الحراك الشعبي الفلسطيني على الأرض، بقيادة شباب أعمارهم في أغلبها ما بين الثامنة عشر والخامسة والعشرين عام، هو الذي سيؤدي الى نتيجة حقيقية على الأرض، وهو الذي سيجعل إسرائيل تنزل على الحق الفلسطيني مهما طال الزمان، لأنها لا تستطيع أن تستمر في حرب استنزاف أبدية، بعكس الشعب الفلسطيني الذي يخوض حربه منذ مئة عام، ومستمر في تصدير الأجيال لرفد معركته التي لن ينهيها حتى يأخذ حقه.
المدن الفلسطينية اليوم في حالة انتفاضة حقيقية بوجه وأسلوب جديدين، القاعدة الأساسية فيهما الصدام المباشر مع الإسرائيليين، مسقطين كل التحالفات الأمنية وغيرها، متمردين على واقع يريد الإسرائيليون فرضه عليهم.
اجتماعات العقبة نجحت في إعادة طرفي الصراع الى طاولة الحوار، واحدثت اختراقا مهما كان صغيرا في الجدار الصلب الذي بني بين الطرفين خلال السنوات الماضية لأسباب تتحمل إسرائيل مسؤوليتها لوحدها.
سيستمر الأردن وحلفاؤه في المنطقة والعالم بالطرق على هذا الجدار، حتى يتمكنوا من فتح فجوة كبيرة فيه تعيد فكرة التسوية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى مسارها المنشود، لان إسرائيل مهما حاولت ومهما ماطلت لن تستطيع الاستمرار بهذا العناد، لأنها تواجه على الأرض معركة حقيقية مع الفلسطينيين الذين باتوا مقتنعين أن الحل بيدهم لا بيد غيرهم، وأن إسرائيل لن تسمع ولن فهم الا لغة المواجهة.