«ويكيليكس» ومثلث العلاقة العربية الإيرانية الأمريكية .. !!
راكان المجالي
03-12-2010 02:57 AM
من خلال قراءة البرقيات الخاصة بالدبلوماسية الامريكية التي نشرها موقع ويكليليكس الذي ركز من خلال محتوى هذه البرقيات على الانتحالات الدبلوماسية الامريكية المتعلقة بمنطقتنا وتحديدا علاقات البلدان العربية بايران التي لخص حالتها وزير خارجية قطر بالقول "نحن نكذب على الايرانيين وهم يكذبون علينا". وبالتأكيد فان تمدد النفوذ الايراني يثير حساسيات النظام الرسمي العربي وان يكن ذلك على تفاوت ومن خلال الوثائق هنالك خطاب عربي مشترك عبر عنه العاهل السعودي وهو ان الدول العربية لا تمانع في دعم ايران لاطراف عربية لكن بشرط ان يتم ذلك من خلال الشرعية والمقصود بهذه الشرعية هو الانظمة الرسمية العربية والتي لها تصوراتها لمصالح شعوبها وقضاياها ، وفي تصورات توافقت وتقاطعت نسبيا مع التصورات الامريكية لمصالحها في المنطقة خلال السنوات الاخيرة حيث وصلت تلك المصالح الامريكية الى مرحلة تجاوزت فيها حدود التنسيق والتعاون التقليدي بين الدول الى غزو مباشر والى تهديد وتفويض بعض دول المنطقة وسيادتها وهو ما رأت فيه ايران تهديدا خطيرا لوجودها ولمصالحها ، فانحصر دعمها في كل قوة في المنطقة تعارض الوجود والتصور الامريكي لمصالحه في منطقة الشرق الاوسط ، وهو ايضا دعم لقوى الممانعة والمقاومة العربية ما كان لها ان تحقق ما حققته في السنوات الاخيرة من دونه.
وبالتأكيد ، فان التأييد الايراني تقاطع وتوافق مع تصورات قوى الممانعة في رؤيتها لمصالحها في المنطقة ، وقد افلح ونجح في افشال الجهود الامريكية ، في اكثر من موقع في منطقتنا. ولكن هذا التأييد والدعم ليس مطلقا وليس بلا حدود خصوصا في الجوانب العسكرية فهو يقوم اصلا بناء على المصالح الايرانية وتصورات القائمين على ادارتها في مواجهة النفوذ الامريكي الجديد في المنطقة ، وقد يتغير بتبدلات اتصورات القائمين على ادارة المصالح في الجانبين ، الامريكي والايراني وهنا تصبح قوى الممانعة والمقاومة في مهب الريح ومهما كانت تصوراتها فهي تملك استقلالا نسبيا وليس كاملا في امتلاك ادوات تنفيذ تصوراتها السياسية على الارض.
على الجانب الاخر ، فان التصورات السياسية الامريكية والاوروبية عموما تستند فيما يستند اليه من عناصر لتحقيق نفوذها وتصوراتها في بلادنا على قوى جديدة يؤسسها ويرعاها ويدعمها نفوذ دولي مسنودا بمجموعة كبيرة من القوانين والادوات التنفيذية الدولية منظمات حقوق انسان ، محاكم دولية منظمات مجتمع مدني ، مراكز دراسات.. الخ. وكلها اشكال دعم تتجاوز حدود الشرعية العربية ،
التي اشار اليها وزراء الخارجية العربية. وكل ذلك بتناقضاته كحركة سياسية ، يحدث في واقع مجتمعاتنا العربية ، التي نعرف تعقيداتها وشعابها.
قليلة ونادرة هي النجاحات الفعلية التي تم تحقيقها في بلادنا اذا نظرنا للامور من وجهة نظر مصالح شعوب المنطقة. وكثيرة هي اشكال الفشل والطرق المسدودة ، التي وصلت اليها السياسات الجماعية العربية تجاه قضايا المنطقة ومن الظلم تحميل مسؤولية ذلك الى ايران ومن الاجحاف ايضا رؤية ان المسؤولية لا تقع اولا واخيرا على العرب ، اصحاب المصلحة الحقيقية ، التي يجري الصراع عليها وعلى ارضها دوليا واقليميا.
الخسارة الكبرى هنا هي في ان محصلات تلك الحركة تقود الى هدم وانهيار دول في المنطقة العربية ، بما في ذلك ضياع هويتها وهدر سيادتها اما العجز العربي في مواجهة هذه الاخطار الكبرى فقد قاد اليه انفتاح عربي بدأ منذ اواسط السبعينيات في القرن العشرين. انفتاح في استقلال كل بلد عربي ، في تبعيته الصناعية عن المحيط الاقليمي الى القوى الصناعية التي يشاء. فتشظت المصالح الحقيقية العربية ، في تبعيتها بين قوى صناعية كبيرة تمتد من الصين الى الولايات المتحدة مرورا بدول الاتحاد الاوروبي والاتحاد السوفيتي السابق الذي انكمش كقوة صناعية وسياسية الى فدرالية روسية.
واليوم يجري في بلادنا العربية وفي كثير من بلدان العالم اعادة بناء للدولة تتم فيها صياغة كل شيء من جديد الحقوق والمصالح والهوية الوطنية والقومية بما في ذلك عناصر البناء الداخلي في كل مجتمع ، وفوائضها المشتركة الناتجة من تبادل المنافع في المحيط الاقليمي ، وكذلك من تبادل التبعية مع التجمعات الاقليمية الاخرى.
في سياق ما حدث سابقا وما يحدث حاليا ، فقد تخلت الدولة العربية من واقع مصالحها عن كثير من سيادتها اذا تذكرنا ان التنازل عن التصنيع هو تنازل عن سيادة. فهل يمكن استدراك الحالة العربية ، واستنادا الى جدلية المنفعة والتبعية ، باعادة تنظيم سيادة اقليمية مشتركة ، تتم فيه استعادة ما تم التخلي عنه طواعية من سيادة لمصلحة سيادة مشتركة ، يتم في فضائها تبادل المنفعة والتبعية ، استنادا الى مصلحة الاقليم والدولة الوطنية معا؟.
بحركة محورية سلبية ومركزية ، للسياسة الدولية والاقليمية ، في بلاد العرب ، لا يمكن لها ولنتائجها الا ان تقود الى انهيارات وفقدان سيادات ووجود ايضا. وهو ما رأينا ونرى ملامحه في تداعيات قضايا اساسية لاكثر من بلد عربي من العراق الى السودان فكما قيل: "من لا فضاء له.. لا ارض له"؟،.
(الدستور)