ليالي «الفيس بوك» وجبروت الإنترنت!
حلمي الأسمر
03-12-2010 02:52 AM
حينما يتأمل المرء في "المشهد الرقمي" الكوني ، يصاب بالدوار ، فمن "الفيس بوك" ومزاحمته كمجتمع افتراضي ، مجتمعاتنا الواقعية ، إلى موقع ويكيليكس وما فعله بأعظم وأكبر دول العالم ، يعجب الإنسان كيف تسنى لأفراد بعينهم أن يلعبوا بالتاريخ ، بكبسة زر ، بل ربما على المؤرخين والفلاسفة ، أن يعيدوا حساباتهم وهم يكتبون هذا التاريخ أو يستنطقونه ، كما على رجالات التغيير والثوار -إن وجدوا، - أن يبدأوا بإعادة النظر في كل أساليبهم القديمة وهم بصدد تغيير مجتمعاتهم ، أو إصلاحها ، فما فعله أسانج رئيس تحرير ويكيليكس يعجز عن فعله جيش جرار ، ولو تسنى لنابليون أو جيفارا ، أو الأنبياء عليهم السلام أن يمتلكوا مثل هذه الوسائل لتغير وجه التاريخ القديم كليا،.
"الفيس بوك" الآن حاضر بقوة في المشهد الكوني ، ويندر أن تجد أحد المشاهير أو المهووسين أو المدمنين على استخدام الشبكة العنكبوتية وليست له صفحة على "الفيس بوك" ، الذي وصل عدد مشتركيه إلى 100 مليون في 9 أشهر فقط ، نحن أمام ظاهرة معرفية كونية ، أنشأت مجتمعا معولما يتواصل بالحرف والصوت والصورة ، تجاوزت كما يبدو مرحلة الغوغلة "من غوغل" أو مشت بالتوازي معها على الأقل ، حيث يستحيل أن يدخل شخص ما على الإنرتنت دون أن يُسلم على موقع غوغل ، قبل فترة أجريت تجربة طريفة ، حيث استعملت محرك البحث غوغل لمعرفة عن ماذا تبحث الشعوب المختلفة ، وقد احتل موقع الفيس بوك المرتبة الأولى في العدد الأكبر من الدول المتقدمة ، أما بالنسبة لقراء العربية فقد بدأت بالبحث عن مدى اهتمامهم بهذا الموقع ، ومن بحث عنه خلال الأشهر الاثني عشر الماضية ، وقد تصاعدت نسبة الباحثين عن كلمة الفيس بوك ، خلال هذه المدة على نحو درامي ، وقفزت نسبة هؤلاء من نسبة عشرين في المائة من مستخدمي "غوغل" إلى نسبة مائة في المائة ، أما ترتيب الدول العربية الباحثة عن "الفيس بوك" فكان على النحو التالي مرتبة حسب عدد الباحثين: مصر ، السودان ، فلسطين ، السعودية ، ليبيا ، الأردن ، اليمن ، سوريا ، عمان ، الكويت ، الجانب الآخر للصورة أن "الفيس بوك" يستعمل الآن كنافذة لأجهزة الأمن الأمريكية تحديدا للحصول على المعلومات ، وتقول "مؤسسة الجبهة الإلكترونية" ، وهي جماعة معنية بحقوق المتعاملين عبر الإنترنت ، ان عملاء هيئات تنفيذ القانون الأميركية حاليا يتدربون على استخدام المواقع الإلكترونية الاجتماعية مثل "فيس بوك" لتكوين صداقات مع المُلاحَقين.
البعد الثالث للصورة مضاد لهذا البعد ، فقد زلزل موقع ويكيليكس عرش أمريكا ، وأوقعها في حرج لم يسبق له مثيل ، سواء مع عملائها أو أصدقائها ، أو حتى مع الأمم المتحدة ذاتها ، ولا ننسى هنا أن الإنترنت نفسه اختراع أمريكي ، ولكنه أصبح لعنة عليها ، وبهذا القدر أو ربما أكثر ، هو لعنة على مجتمعات متزايدة من البشر ، حيث تمتلىء ليالي الفيس بوك والإنترنت عموما بالأحلام والأوهام ، والبحلقة في شاشات الحواسيب حتى مطلع الفجر ، إنه وثن جديد يعبده الملايين ، ومهما قيل فيه فثمة ما يقال ، علما بأنه بدأ مزحة من طالبين في الجامعة ، ثم ما لبث أن اصبح ملتقى للملايين من البشر ، ووسيلة اتصال وحيدة لملايين آخرين،.
أين نحن ، عربا ومسلمين ، من هذا الإيقاع الرهيب؟ لم نزل نحبو ، وإن بدا أن كثيرين من طلاب التغيير والإصلاح واصحاب الرسالة بدأوا يستثمرون هذا الجبروت لصالح أهدافهم،.
(الدستور)