الديمقراطية الرقمية وتأثيراتها المحتملة
أ.د عبد الرزاق الدليمي
26-02-2023 08:45 AM
في عصر تزداد فيه خبرة العمل والخطاب واللعب عبر الإنترنت ، مناسب جدا أن يكون الانترنت مروج مهم للسياسة في ظاهرة حديثة تُعرف بالديمقراطية الرقمية، وربما يطلق البعض بالديمقراطية الإلكترونية حيث يمارس المواطنين في القطاعات الحكومية والاهلية حقوقهم من خلال الإنترنت.
بدأ هذا الشكل الجديد من الديمقراطية كمحاولة لإشراك أعداد أكبر من المواطنين في العملية الديمقراطية، يبدو أن الأدلة الواقعية الحديثة تؤكد بشكل متزايد بأن الإنترنت اصبح الوعاء الاتصالي والطريقة الحديثة الأكثر فاعلية لإشراك اعدادا اكبر من الأفراد في الانشطة السياسية، وقد لوحظ في السنوات الماضية نشاط متصاعد الوتيرة من قبل المنظمات السياسية على الإنترنت ،حيث تمكنوا من اجتذاب ملايين الأعضاء وجمعت عشرات الملايين من الدولارات وأصبحت هذه المنظمات قوة رئيسية فاعلة في تحديد المسارات والنتائج في السياسة الانتخابية، ولعل الدورات الانتخابية لعامي 2004 و 2008 كانت الاكثر وضوحا في اظهار حجم استخدام الإنترنت بشكل كبير من قبل المرشحين وفي مقدمتهم باراك اوباما .
حملة الرئيس أوباما الرقمية
من المفارقات في هذا الموضوع هو اللقب الذي اطلق على الرئيس باراك أوباما وهو "المرشح الرقمي" لاستخدامه التكنولوجيا الرقمية خلال حملته الرئاسية لعام 2008، حيث كانت حملته أفضل مثال لمرشح سياسي يستخدم الديمقراطية الرقمية الرئاسية الناجحة
بعد فوز أوباما في الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الديمقراطي، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالاً يناقش استخدام المرشح للإنترنت في ترشيحه، وتنسب المقالة التي تحمل عنوان "طريقة Wiki-Way إلى الترشيح" نجاح أوباما في توظيفه للتكنولوجيا الرقمية: "باراك أوباما هو المنتصر والشبكة العنكبوتية تنحني ،صحيح أن حملة أوباما ليست الاولى بالاعتماد على الإنترنت، حيث سبقه في ذلك المرشح الديمقراطي الآخر للرئاسة هوارد دين ، حيث نجح في بناء حملته عبر الإنترنت خلال دورة انتخابات 2004، الا ان ما يميز حملة اوباما استفادته استفادة كاملة من إمكانيات الديمقراطية الرقمية، وفي نهاية المطاف ضمنت الوصول الى المكتب البيضاوي على أساس قوة تلك الإستراتيجية، إن ما يثير الاهتمام في قصة حملة اوباما الرقمية هي طريقته التي تم بها دمج الرقمية واعتمادها بالكامل في حملته ، بدلاً من اعتبارها عنصرًا مساعدا لذلك تعتبر حملة الرئيس أوباما الناجحة مثالاً ممتازًا لإمكانيات توظيف الديمقراطية الرقمية في السباقات الانتخابية.
المواقع التقليدية
أثبتت العديد من المواقع السياسية الموجودة أنها مفيدة لحملة أوباما. تأسس الموقع الليبرالي MoveOn.org في عام 1998 ، وقد استخدم منذ فترة طويلة شعبيته وقاعدته الداعمة لتعبئة المواطنين للتصويت أو الضغط أو التبرع بالأموال للحملات الديمقراطية، وبوجود أكثر من 4 ملايين عضو داعم ، ادى موقع MoveOn.org دورًا ملحوظًا في السياسة الأمريكية وعمل كمصدر إلهام للجهود الرقمية الأخرى ذات التفكير المماثل.
لقد أعطت حملة أوباما إيماءات واضحة إلى امكانية نجاح مثل هذه المواقع من خلال حضورها الفاعل والمهم على على الشبكة العنكبوتية، كما شكلت مواقع الويب مثل MyBarackObama.com أساس لهذه الجهود عبر الإنترنت، ومع ذلك فإن نجاح حملة أوباما الرقمية جاءت بفضل استخدامها لوسائل الإعلام عبر الإنترنت بجميع أشكالها، اضافة الى ان الحملة تحولت إلى مواقع الويب التقليدية، ثم انتقلت إلى مواقع شبكات التواصل الاجتماعية والبريد الإلكتروني والرسائل النصية ومقاطع الفيديو وغيرها.
شبكات التواصل الاجتماعي
تتطلب الديمقراطية الرقمية أكثر فأكثر اعتماد مستخدميها على هذه الأشكال البديلة للتواصل عبر الإنترنت، وعلى سبيل المثال لا الحصر كان موقع التواصل الاجتماعي Facebook مركزًا للعديد من جهود التوعية الرقمية خلال حملة عام 2008، واعتبارًا من عام 2010 اصبحت صفحة باراك أوباما الرسمية على Facebook تضم أكثر من 9 ملايين معجب ، واستخدمت إدارة أوباما الصفحة لإرسال الرسائل الى قطاعات واسعة تعبيرا عن وجهات نظر الادارة ازاء المناخ السياسي حينها.
كما أنشأ أفراد صفحات فيسبوك تدعم المرشح، رغم انهم ليسوا جزءً من الحملة الرسمية لاوباما كما ظهرت مواقع اخرى مثل "ماماس لأوباما" قبل الانتخابات مباشرة ، وكذلك فعلت "نساء من أجل أوباما" ونادي ميشيل أوباما للمشجعين، حيث تتنوع المجموعات في الحجم ، لكن جميعها تتحدث عن سريان موجة جديدة من الديمقراطية الرقمية، كما تحول المرشحون السياسيون الآخرون بمن فيهم المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة في 2008 جون ماكين، إلى استخدام شبكة فيسبوك وإن كان بطرق أقل شمولية.
التواصل عبر البريد الإلكتروني
اعتمدت حملة أوباما أيضًا على البريد الإلكتروني، في عام 2009 ، تم نشر مقال بعنوان "القصة وراء حملة أوباما الرقمية" يناقش نجاح استخدام أوباما للإنترنت، وفقًا للمقال قام 13.5 مليون شخص بالتسجيل للحصول على تحديثات حول تقدم أوباما عبر موقع MyBarackObama.com أرسلت الحملة بانتظام رسائل بريد إلكتروني للوصول إلى جمهورها.
وكانت رسائل البريد الإلكتروني قصيرة - لم تكن أطول من 300 كلمة - ولم تكن مجهولة مطلقًا ، كان هناك دائمًا تناسق في الصوت والنبرة، ساهم أوباما وشخصيات رئيسية أخرى في الحملة أيضًا في إرسال الرسائل عبر البريد إلكتروني - "كتبت ميشيل رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بها ... وتفاعل معها عدد أكبر من الأشخاص الذين اهتموا برسائل زوجها" - مما أعطى الحملة لمسة شخصية وأصالة ، بدلاً من الانطباع بأنها مجرد دعاية بواسطة جهاز العلاقات العامة .
نجحت رسائل البريد الإلكتروني التي كانت عبارة عن مزيج من الرسائل والنداء المالي ، في الوصول إلى الجماهير المستهدفة وفي كسب التمويل المالي الكبير للحملة، حيث تمكنت الحملة من إرسال ملياري رسالة عبر البريد إلالكتروني، حيث تمت ادارة محتوى البريد الإلكتروني بعناية كبيرة مع استهداف الأفراد بمسارات واساليب وقنوات مختلفة حسب ظروفهم والتركيز على الذين لم يسبق لهم ان تبرعوا بالفعل للحملة بحلول نهاية الحملة، وحشد الموقع أكثر من 3 ملايين شخص بمساهمة بأكثر من 500 مليون دولار عبر الإنترنت .
الرسائل النصية
بالإضافة إلى كل ذلك، استخدمت حملة أوباما الرسائل النصية للتواصل مع مؤيديه حيث يمكن للداعمين الاشتراك مع ادارة الحملة وتلقي الرسائل النصية ، كما طُلب من المشاركين في التجمعات والمناسبات الأخرى إرسال رسائل نصية إلى اصدقائهم أو المؤيدين المحتملين لتشجيعهم على المشاركة في حملة أوباما، ويعود الفضل لأعضاء MyBarackObama.com باكتشاف طريقة اختيار الزميلة في السباق عبر رسالة نصية وتحديدا بتنظيم امريكا أثبتت هذه الوسيلة أنها مفيدة وأظهرت نجاح حملة أوباما بالاعتماد الكامل على العالم الرقمي.
الدور المتزايد للإنترنت
يعتبر الإنترنت حاضنة واعدة بالنسبة للديمقراطية الإلكترونية، بالإضافة إلى وسائل الاتصال المتنقلة ويتميز الإنترنت عن الوسائل الإعلام التقليدية بقدرته على المخاطبة الفردية والجماعية للأشخاص، وتضمن قوة الحساب الهائلة للحواسيب الحديثة إضافة إلى خوارزميات التشفير سرية الاقتراع للمواطنين، كما تسمح الإنترنت للأشخاص المناقشة الأمور فيما بينهم بصورة أفقية ومفتوحة للجميع الشيء الذي لا تسمح به وسائل الإعلام التقليدية، وشكل الانترنت في العقد الأخير وسيلة هامة في مخاطبة السياسيين للجماهير ونشر أفكارهم والاستماع إليهم خاصة في الحملات الانتخابية.
التحسينات التي يسعى إليها المشجعون لهذه الديمقراطية، تمس ترقية وتسهيل مشاركة المواطنين في مسار اتخاذ القرارات والحياة السياسية، تشمل التحسينات تكييف عملية الاقتراع للسماح بالمشاركة عن بعد أو بالوكالة عن طريق وسائل اتصال إلكترونية، كما تهدف لشفافية أكبر للعملية الديمقراطية.