السِّمة السائدة في العديد من مؤسساتنا، وبالذات في القطاع العام، هي التّراجع والتّقهقر والتّرهل. وهذا مُحزن.
بيْدَ أنّ بعضها يسير في الاتجاه المعاكس، أي الاتجاه الصحيح؛ يُحافظ على أدائه ويواكب التطورات ويؤدّي بكفاءة. وهذا مُفرح.
على البُعد الأول، والذي يشمل الغالبية العظمى من مؤسساتنا، تلد المؤسسة مُتألقة، رؤيةً وإرادةً وإدارةً وأداءً ورونقاً. وتبقى على هذا النحو لعقد أو أكثر، فتكون رافعة مجتمعية مؤثرة إيجاباً، وتكون مفخرة وقصّة نجاح.
لكنها، وبسبب إهمال عُنصريّ الإدامة والتطوير، وبسبب قلّة حيلة الإدارات المتعاقبة أو سوئها، سرعان ما تتوقف عجلة التقدم فيها، فيعتريها الجمود، وتنهال عليها الإشكالات من كل حدب وصوب، ثم ما تلبث أن تنتكس ويتراجع أداؤها، فتصير في خبر كان «تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد"؛ وربما تغدو عبئاً ثقيلاً.
ومثل هذه الحالة خبرناها، ونخبرها، في العديد من مؤسساتنا الحيوية، في قطاعات الصحة والتعليم المدرسي والتعليم العالي والصحافة والإعلام والرياضة والدراسات والبحوث والنقل والخدمات بأنواعها.
ولولا هذا النّمط السائد والمُتكرر لكان مُجتمعنا في المقدمة إقليمياً ودولياً.
أما على البعد الثاني، أي على البعد المُشرق، فهنالك والحمد لله عدة مؤسسات بعضها ولد متألقاً وحافظ على ألقه، رغم الظروف والتحديات والصعاب التي تُشكّل القاسم المشترك بين جميع المؤسسات؛ وبعضها ولد في ظروف صعبة وعانى من الكثير من الإشكالات، لكنه طوّر أنظمته وهياكله وحسّن إجراءاته وأداءه، بفعل إدارته الكفؤة المستنيرة، فصار رافعة مجتمعية مُهمّة وقصة نجاح لافتة.
من هذه المؤسسات، على سبيل المثال لا الحصر، دائرة الأحوال المدنية ودائرة ترخيص السواقين والمركبات، والتي للمواطن احتكاك مباشر معهما. عندما تُجدّد رخصة القيادة في عشر دقائق، والهوية الشخصية في ثلث ساعة والجواز في ساعة (وقد تكون تجربة البعض أقل أو أكثر من هذا بقليل)، وتكون الإجراءات واضحة وسهلة، والعمل دقيق ومتطور وكفؤ والمعاملة مُحترِفة والتجربة مُريحة، فاعلم أنك في مؤسسة عصرية متطورة تمثل قصة نجاح.
مهمٌ جداً تسليط الضوء على قصص النجاح هذه، أولاً من باب العرفان بالجهود الإيجابية، وتشجيع القائمين عليها بالاستمرار في الاتجاه الصحيح، ثم من باب معرفة أنّ هنالك مؤسسات ناجحة عندنا حتى لا تكون الصورة كلها سلبية، ومعرفة أننا قادرون على إدارة مؤسساتنا بنجاح، إذا ما كانت خياراتنا صحيحة. وأخمّن أن نجاح المؤسستين المشار إليهما، يعود في أحد أبعاده، إلى أن الإدارات التي ساهمت في هذا الإنجاز هي كفاءات من أجهزتنا الأمنية المعروفة بالجديّة والالتزام والنظام والرغبة في التحديث والتوظيف الأمثل للأتمتة والتكنولوجيا.
لكن ربّما الأهم هو دراسة أسباب نجاح هذه المؤسسات بدقة والوقوف على الدروس المستفادة من أجل نقل تجربتها للمؤسسات الكثيرة المراوحة مكانها أو المتراجعة أو المترهلة؛ علّ ذلك يكون أحد سُبل إنقاذ تلك المؤسسات، فالمقارنة هنا منطقية وملائمة لأننا نتحدث عن مؤسسات تنتمي لنفس المجتمع لا مؤسسات في اليابان أو كوريا أو سنغافورة يتعذّر نقل تجربتها بسهولة.
مؤسساتنا التي تسير في الاتجاه الصحيح ثروة لا بد من حمايتها وتعزيز مكتسباتها ونقل تجربتها للمؤسسات الكثيرة الأخرى التي تُعاني.
(الراي)