العالم منشغل بأزماته المتشعبة، وتحاول كل دولة أن تضع أجندة خاصة بها تنطلق فيها من أولوياتها، والأردن لا يمكن أن يكون خارج هذه المعادلة، فهو يعاني تحديات سياسية واقتصادية ضخمة، تتداخل فيها الملفات الداخلية بالخارجية.
الانخراط في تلك الملفات، يأتي من حقيقة أن بعضها يمثل مصلحة أردنية، غير أن كثيرا منها يستنزف الجهود الدبلوماسية الأردنية التي تحاول جاهدة ألا تترك أمرا للمصادفة، أو للفراغ الذي قد يقود إلى عكس ما تتمنى. في الواقع ما تزال سياساتنا الخارجية تركز في مسعاها على العمل من أجل حل ما يمكن حله من أزمات محيطة بنا من منطلق إدراك ما تعانيه بعض الدول، وانعكاسات ذلك علينا، خصوصا في ملفي سورية وفلسطين.
من الإجحاف مقارنة نجاح السياسة الأردنية الخارجية، بتلك الداخلية التي تقوم عليها حكومات لم ترق حتى هذه اللحظة لمستوى التحديات والأزمات التي تتعرض لها المملكة لاعتبارات عديدة، ففي الوقت الذي نلمس به منجزا في علاقاتنا مع مختلف الدول، وحجم تأثير المملكة عربيا ودوليا، ما يزال المواطن ينتظر تقدما واضحا في ملفات أساسية تمس حياته ومعيشته!
خيبات الأمل الداخلية كثيرة، ولكن لنركز اليوم على الحراك الدبلوماسي الأردني الذي يتخذ في جزء منه طابعا اقتصاديا بحتا، وتحديدا بالوصول إلى رواندا في أفريقيا وبحث سبل التعاون الاقتصادي، في خطوة تؤشر إلى أن هناك من يفكر خارج الصندوق، ويسعى في البحث عن أسواق جديدة، وعلاقات اقتصادية غير تقليدية مع دول أفريقيا غير العربية.
هذا الأمر يحتاج إلى متابعة حثيثة من قبل المعنيين للبناء على كل خطوة بهذا الاتجاه، وترتيب زيارات وبعثات تجارية تقودها الحكومة للأسواق الأفريقية لاكتشاف الفرص وتحديد التعاون الذي يمكن أن يلبي احتياجات تلك الأسواق، وبناء قاعدة لتسهيل عملية التبادل التجاري، والسعي لإبرام اتفاقيات تجارية.
قيمة الصادرات الوطنية إلى الدول الأفريقية غير العربية بلغت العام الماضي حوالي 82 مليون دينار، جلها صادرات صناعية، فيما تبلغ الفرص التصديرية التي تمتلكها المنتجات الأردنية 200 مليون دولار (الصادرات للأسواق الأفريقية غير العربية بلغت 1 % من إجمالي الصادرات الوطنية).
وبالعودة إلى الحراك الدبلوماسي، يتأرجح الأردن بين حبلين اثنين؛ الأول سوريًا، والثاني فلسطينيًا. ففي الأول يعمل من أجل إطلاق جهد عربي مشترك لحل الأزمة السورية وعودة الاستقرار لها، وهو ملف شائك في ظل تمسك الإدارة الأميركية بموقفها من النظام السوري.
وفي الثاني يستضيف الأردن اليوم اجتماعا فلسطينيا إسرائيليا سياسيا، أمنيا، يحضره ممثلون عن مصر والولايات المتحدة، لوقف الإجراءات الأحادية والتصعيد الأمني الذي يهدد بتفجر دوامات كبيرة من العنف، إضافة إلى إجراءات أمنية واقتصادية تخفف من معاناة الشعب الفلسطيني.
يأتي ذلك بالتزامن مع تواجد وفد برلماني أردني في العراق، سبقه وفود صناعية وإعلامية، بهدف فتح آفاق جديدة مع الدولة الشقيقة، في محاولة لتحقيق اختراق يسفر عن اتفاقيات اقتصادية تعد غاية في الأهمية لكلا البلدين.
في الواقع، فإنه عند النظر لحجم نجاحنا على الصعيد الخارجي يشعر المرء بالألم لضعف مردودنا الداخلي، حيث نعاني بطء المنجز، وضعف الأداء، وخيبة النتائج، وكأن جينات الأردنيين في السياسة الخارجية ليست هي ذاتها التي تدير سياساتنا الداخلية.
أفريقيا هي ثاني أكبر قارات العالم بمساحة تزيد على 30 مليون كيلومتر، وبعدد سكان حوالي 1.2 مليار نسمة، والانفتاح عليها قد يشكل خطوة مهمة لمحاولة الأردن الخروج من منطقة حبلى بالأزمات، وتحييد الاقتصاد الوطني من دفع ضريبة هذه الأزمات.
(الغد)