من تابع خطاب رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين الأخير بتاريخ 20 شباط 2023 قبل أيام في قصر "الكرملين " الرئاسي في موسكو أمام 1400 من كبار شخصيات العمل السياسي و الاقتصادي و العسكري و الدبلوماسي الروسي، يستطيع فهم كواليس واسرار الحرب الأوكرانية و تاريخها، و تاريخ أوكرانيا المرتبط منذ عهد فلاديمير لينين ، ومنذ القرن السابع عشر، ومنذ عهد نيكيتا خرتشوف بتاريخ روسيا ، وسيعرف بأن منطقة "الدونباس" المحررة للتو من قبل روسيا هي روسية الأصل، ومن تابع زيارة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن للعاصمة الأوكرانية "كييف" سيعرف بأن الرجل الأمريكي المتقدم في السن يماحك روسيا وراغب في اظهارها والقطب و الدولة العملاقة بأنها صغيرة أم "كييف – زيلينسكي" المكلومة و المظلومة و المحتلة حسب مسار تفكيره وتصريحاته تحت وقع صفارات الانذار الحامية له من أي قصف روسي متوقع رغم التنسيق الأمريكي – الروسي المشترك بصددها قبل ساعات من وقوعها .
وتتظاهر أمريكا ومعها الغرب واجهزتهم اللوجستية بأنهم غير معنيين بإنقلاب عام 2014 الدموي غير الدستوري في "كييف" ، وبأن لا علاقة لهم به، وكأنه كان بإمكان التيار البنديري الأوكراني أن ينفذه لوحده، فماذا بعد ذلك عن الثورات الملونة البرتقالية المبرمجة في غرب أوكرانيا التي قادت للإنقلاب بهدف اقتلاع الحضور الروسي من الاراضي الأوكرانية مبكرا عبر طرد آخر رئيس أوكراني موالٍ لروسيا مثل فيكتور يونوكوفيج؟ ، ونتيجة لفعل "كييف" و الغرب المشترك سحبت روسيا اقليمها التاريخي و الإستراتيجي "القرم" من السيادة الأوكرانية التي صنعها بعد لينين نيكيتا خرتشوف ،ولما يتمتع به الاقليم من أهمية قصوى للأسطول الروسي الحربي النووي العملاق في مياه البحر الأسود ، وبدى الغرب بأنه غير عارف بمؤامرته على روسيا من خلال "كييف" عبر نشر أكثر من 30 مركزا بيولوجيا ضارا بالمكون السلافي والسوفيتي السابق والروسي، وبجهد أمريكي مباشر ومن خلال انتاج قنبلة نووية ضاغطة على السيادة الروسية ، وغيرها منخفضة القوة بهدف ايذاء روسيا وبحجة شروع روسيا نفسها لاستخدامها في الحرب الأوكرانية، وهو ما ثبت سرابيته .
ولم يعير الغرب أهمية لموضوع تفجير جسر الغرب وخط الغاز " نورد ستريم 2 " ، واغتيال الصحفية الروسية داريا غودينا ، و استخدام طائرات مسيرة استهدفت العمق الروسي ، وافشال الحوار المباشر المبكر الأوكراني – الروسي وعبر جلسات النورمندي " مينسك 2 " ، بينما هم ، أي الغرب شركاء حقيقيين بكل الحزمة سابقة الذكر ، وأغمض الغرب عينيه ولا يزال عن جريمة الحرب التي اقترفها نظام " كييف " في شرق وجنوب أوكرانيا وتسبب في مقتل أكثر من 14 الف مواطن أوكراني ناطق بالروسية ومن حملة جواز السفر الروسي، ومن الروس من أصل سبعة ملايين مواطن يعيشيون هناك بهدف ضم اقاليم الشرق والجنوب " الدونباسية " الروسية الأصل في عمق التاريخ المعاصر ،بينما ارتكزت روسيا في تحريك عمليتها العسكرية التحريرية الإستباقية الدفاعية غير الاحتلالية بتاريخ 24 شباط 2022 على تحرك صناديق الاقتراع هناك تماما كما حدث في اقليم "القرم" ،وتحت الرقابة الدولية وبعيدا عن اختراق القانون الدولي ومعاهدة " جنيف 1949 " كما يدعي الغرب مجتمعا نفسه ، وتحرشات حلف " الناتو " بروسيا برا وبحرا بقيت مستمرة، لكن روسيا كانت ولازالت له بالمرصاد، في حدود اليابان وفي جورجيا وفي البحر الأسود وعبر الحدود الأوكرانية، وحتى الروسية .
وما يرتكبه الغرب من أخطاء استراتيجية دفع بروسيا – بوتين لكي تجمد العمل بإتفاقية حظر تطوير الأسلحة النووية ، في زمن يحرص فيه الغرب على تزويد " كييف " بالأسلحة التقليدية الحديثة محدودة المستوى و صولا لدفع روسيا بعد هزيمتها وحسب اعتقادهم السطحي لمفاوضات " الند للند " مع غرب أوكرانيا ، و يتناسى الغرب بأن الاقاليم الخمسة الأوكرانية السابقة – الروسية الأصل " القرم ، و لوغانسك ، و دونيتسك " الدونباس " ، و زباراوجا ، و جانب من خيرسون " هي من صوتت لصالح الانضمام ليس لنظام " كييف " السياسي ، ولا للغرب الأمريكي، ولكن للسيادة الروسية ، وهو حق مشروع لهم وعين الغرب من خلال "كييف" على أهمية استمرار الحرب الباردة وسباق التسلح واستنزاف روسيا غير المحبوبة لديهم والذهاب في خيالهم الفانتازي للوصول لمرحلة تقسيم روسيا و توزيع مصادرها الطبيعية على أوروبا في يوم يشبه سوق "الجمعة" في بلدنا وكأنهم أي الغرب لا يعرفون ويغلقون آذانهم حتى عن قوة روسيا العسكرية المتقدمة وفوق النووية على مستوى الجيش والبحرية والفضائية .
وزيارة بايدن ل " كييف " وحدها هدفت لتوصيل رسائل سريعة لموسكو ، وهو الزائر لغرب أوكرانيا بعلمهم وتحت حمايتهم وهدفت لتهميش روسيا العظمى والتلغيز على شخصية بوتين التي ترعبه والغرب وبث رسالة تدين العملية الروسية العسكرية على أنها شكلت خطأ تاريخيا واقنع حلفائه الغربيين بذلك، وبسرور الحاسد ، وهو ما أطرب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي الذي حوله الغرب طعما لسنارته ضد روسيا، واحرق بلاده أكرانيا بعد جر روسيا اليها الى حرب بدأت ليس في موسكو ولكن في كييف وعواصم الغرب خاصة في العاصمتين الأكثر كرها لروسيا مثل "واشنطن" و "لندن" و حقت بهما " باريس" و " برلين " .
يكفي روسيا الاتحادية فخرا وجود شخصية رئاسية فولاذية على رأسها مثل فلاديمير بوتين ،ووجود سيرجي لافروف صاحب الإسم العالمي في مقدمة الحقيبة الدبلوماسية الروسية، ويكفي روسيا أن تعتد بنفسها لأنها المنتصرة دائما على نابليون بونابارت وأدولف هتلر ، وعلى التيار البنديري الأزوفي المتطرف في الاراضي الأوكرانية، وعلى الغرب المغرر بنفسه والأكثر تطرفا من "كييف" العاصمة أيضا ، و الحرب الروسية الأوكرانية التي جاءت على شكل عملية عسكرية، واستمرت في عملها عاما كاملا ، وربما تطول حسب سيناريو الغرب هي في واقع الحال مع حلف "الناتو" بالوكالة ، ونتيجة الحرب وبكل تأكيد لن تكون لصالح الغرب الذي لا ناقة له ولا جمل بها، ولن تكون لصالح "كييف" التي أصابها الارهاق، وانما لصالح روسيا الاتحادية صاحبة الحق والتاريخ والمظلمة، والمواجهة للمؤامرة الغربية من وسط معركة المصير والمؤامرة الكبرى، وأنا على ما اقول شهيد، والسلام المطلوب والذي لا تقبل به العاصمة "كييف" وعواصم الغرب، هو سلام الأمر الواقع الذي أعاد لروسيا تاريخها وسيادتها عبر تحرير القرم والدونباس ".
وتماما كما تقول الشعوب السلافية والسوفيتية السابقة و الروسية، سلام ضعيف خير من حرب مدمرة ،والحديث عن حرب ثالثة عالمية كارثية أمر ساذج لا يقبله العقل، وأجمل ما في حياتنا كبشر الانسان والحضارات والسلام، أي التنمية الشاملة .