facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الزيودي يكتب: جمعه حماد .. تلك الأيام


محمود الزيودي
24-02-2023 09:37 PM

تعرفت على ( حجّينا ) الأستاذ جمعه حماد في الشهر الثاني من ( النكسة ) كما وصفها محمد حسنين هيكل عام 1967 لتخفيف وقع الهزيمة على جمال عبد الناصر والامة العربية ...

سعيت الى الحضرة البدويّة في جريدة الدستور بأول مبنى لها بين الدوار الثالث وفندق أبو رسول ( التسمية لمجلة العربي الكويتية ) وقد كنا نلملم أطراف الوعي الذي فقدناه في الهزيمة ...

جئت أحمل مقالا عن رفض ذلك الجيل في ذلك الزمن للحرب التي خسرناها ... فوجئ أبا أسعد أن زائره شرطي يحمل شارة اللاسلكي على جانب كتفيه ... زاد من الدهشة وغمرني بحرارة الاستقبال وحوّل المقال الى التحرير ونشر في اليوم التالي.

فيما بعد عرفت أن جمعه حماد ابن جهم سليل قبيلة الترابين التي تمددت على صحارى بئر السبع وسيناء بدأ حياته العمليّة مأمورا للاسلكي في البوليس الفلسطيني ...

وأنا مثله لم أحصل على الثانوية ... منذ ذلك الحين لم تنقطع علاقتي بذلك العصامي التي كانت حياته العمليّة دافعاً لي حتى أكتب ولم أزل أكتب وأنا أوفيه بعض حقه الآن ...

فيما بعد وجدت اسمه متربعا في أوراق أكرم زعيتر عن وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية 1918- 1939 . فمأمور اللاسلكي في البوليس الفلسطيني كان ينقل أخبار الثورات والاضرابات الفلسطينية للمعتقلين في سجن عوجا الحفير ...

اخبرنا جمعة حماد ... قال لنا جمعة حماد ... كان على وعي بالقضية الفلسطينية منذ بداية شبابه ... ذات حين وجيل الشباب يدخل معترك السياسة في زمن الاتحاد الوطني العربي ... سأله سليمان عرار عن سر اهتمامه بي ودفاعه عني ... حرك ابا أسعد السبابة والوسطى من أصابع يده اليمنى وقال نشأتنا متشابهة جداً ... ترددت على جريدة الدستور وتجاذبنا أطراف الحديث عن قبائل بئر السبع وسيناء وقد عرفت بعض جذورها من خدمتي في وادي عربه من الضحل الى ضربة التي استبدلوا اسمها برحمة ...

كان يكتب مقالاته في الدستور بتوقيع سويلم ... قلت له ان اسم سويلم شائع في عربان بئر السبع وسيناء ... وأعدت على مسامعه شعر السامر ... وامي وامك يا سويلم طارن بالجو زغيليّه ... وامي ابطحت امك حطتها ببركة ميّه ... والشايب لوح عالعجوز وبرجله كب التقليّه ... ريحان يقول نريداه ... يضحك ابا أسعد ويستكتبني شعر السامر على ورقة أمامه في المكتب ... فيما بعد تتبعنا معا حركة النزوح من جنوب فلسطين الى مادبا والضليل حيث أخذ البدوي مكانه في وطن متعدد المنابت والأصول ... تمتع الحاج جمعه برواية عن خطاب أحد الشيوخ النازحين الى الشهيد وصفي التل رئيس الوزراء ... اسمع انت يا كبير الدولة ... واستمر يروي الحكاية عن البدوي على فطرته والابتسامة لا تفارق شفتيه ... ذات مساء أعطاني نسخة من كتاب حسن الدقس " طفولة بدوي " باللغة الإنجليزية ... كان متأثرا بوصف الدقس لطفولة البدوي على الرمال ... فيما بعد أهداني نسخة من كتابه " بدوي في اوروبا " ... مزج فيه ثقافة البدوي الذي يشاهد اوروبا لأول مرة وهو مندهش من الفارق الكبير بين التقدم في بلاد طحنتها الحرب العالمية الثانية والتخلف الذي يعاني منه الوطن العربي ... تعلمت من جمعه حماد أن الموزع الذي يبيع الصحف على الأرصفة هو بعض من عوامل نجاح الصحيفة ... فهو قادر على وضعها في مقدمة البسطة أو اخفائها تحت الصحف الأخرى . وهكذا تعمقت علاقة جمعه حماد بفتحي أحمد وحسن ابو علي في عمان .. كان يأتي من القدس ليرى كيف تعرض المنار على طريق السابلة في شارع فيصل وجبل الحسين وشارع طلال ... الصحيفة لا تعيش بدون الاعلانات التي ترفد سبل الإنفاق على الورق والمحررين والمطبعة ... وكانت بعض الأخطاء في نشر الإعلان توقع المحرر في ورطة كبيرة كما يرويها ابا اسعد لزواره ... مثالا على ذلك اعلان على شكل خبر عن عودة فلان وهو من كبار تجار المواشي ... وما حدث سقوط كلمة تجار خلال صف الأحرف . فجاء الإعلان من كبار المواشي ... يأتي إعلان الوفاة والنعي مذيلا بكلمة وأدخله فسيح جناته ... يكتب المحرر على جانب الإعلان من الأسفل إن كان له مكان ... والمقصود ينشر إعلان الوفاة إن كان له مكان في الصفحة المخصصة للوفيات في ذلك الزمن ... ذات حين لم يفرق عامل الصف في المطبعة بين صيغة الإعلان وتنسيب المحرر ... ظهر الإعلان كالتالي ... وأدخله فسيح جناته إن كان له مكان ... يستمتع جمعه حماد بضحكات زواره وهو يروي أكثر من طرفة عن زمن المؤسسين للصحافة الأردنيّة ...

عملت تحت إمرته في الاتحاد الوطني العربي وقد كان أمينا عاماً للإتحاد ... في وزارة الثقافة حينما كنت مشرفاً على ثقافة الزرقاء . فشهادة الرابع الابتدائي لا تسمح بتسميتي مديراً ... تقدمت احدى الجمعيات بطلب تصريح لحدث ثقافي داخل الزرقاء ... حسب الروتين كتبت للجهات الأمنية فرفضت ... هاتفني الوزير جمعه حماد ... أكتب للجمعية بالموافقة على المهرجان واللي مش عاجبه يرسل لهم الشرطه ... بعد مقتل الرئيس أنور السادات على يد ضابط المدفعية خالد الإسلامبولي . أقيل قائد سلاح المدفعية اللواء منير شاش . كان الرجل من رموز حرب تشرين وقد أمطر خط بارليف بآلاف القنابل قبل عبور أول قارب يحمل الجنود الى شرق قناة السويس .. لم يذهب الرجل الى بيته بل جرى تعيينه محافظا لشمال سيناء فأقام في العريش التي حررها مهرجان فنون البوادي.. دعيت الى المهرجان وسافرت من مطار القاهرة الى العريش .. على جوانب الطريق شاهدت مئات الدبابات الاسرائيلية جاثمة خردة في الصحراء ... ذات يوم جاءني بدوي ببدلة ... الليلة عشاك عند الحج عيد ابن جهم ... حينما تربعت في المضافة عرفت انه شقيق حجينا جمعة حماد . وعرفت أن قبيلة الترابين فاعلة في العريش ... في اليوم التالي قالت لي موظفه في المهرجان ... بابا يدعيك تتغدى عندنا ... انا بنت توفيق الشريف شقيق كامل ومحمود الشريف اصحاب جريدة الدستور ...

استدعيت كل هذه الذكريات وأنا اتصفح كتاب ... جمعة حماد جهامة حياة طالب علم .. حرره نجله الدكتور حسن جمعه حماد .. نشرته دار الفتح في عمان 464 صفحة عن سيرة رجل فك الخط وهو يدرج على الرمال . حتى اسس الصحف في القدس وعمان ودخل المعترك السياسي في الاتحاد الوطني والوزارة ومجلس الأعيان .. استعير من الراحل جورج حداد نعيه لجمعه حماد ... هذا الرجعي العتيق هذا القلم النظيف .. هذا اللسان العفيف .. هذا النشمي المسكون بقيم الأصالة والنخوة والمروءات .. هذا الأردني الفلسطيني الشامي العراقي اللبناني المصري الإسلامي المسيحي الحييّ .. الوفي الداهية الصبور . هذا ( الجمعة حماد ) مات ولكنه لم يتوارَ قبل أن يضيء أكثر من شمعة في عتمات الدروب ... وأقول ان حياة جمعه حماد مرآة تعكس حياة جيل كامل عاصر الانتداب البريطاني على فلسطين والاستيطان الصهيوني وما لحقه من انكسارات وهزائم عانت منها الأمة العربية ...

الى رحمة الله يا ابا اسعد..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :