بعض الأحداث محمّلة بالمتاعب، ليست كغيرها من القصص، تختلف بمضمونها، تجعل من التّفاصيل تربو على انتظار النتائج القاسيّة وجملة من الخسائر، تمرّ أروقة المكاتب في الوزارات، وتأخذ حيّزاً في ممرّات الوطن، تنتظر حلاً وإجراءات عمليّة أو دراسات مكثّفة، لِحصر فاعليّتها وانتشارها، تنتظر تدخّل الحكماء، لإجراء خطواتٍ شبه مُعقّدة، وجهود مكثّفة، حتّى الخروج من غُرف العمليّات والإنعاش، ويعقب ذلك نجاحاً، تنبض فيه شرايين الوطن، وإنهاء المِلفّات بالتّزامن مع تأخير رحلة الوزير المقرّرة.
كذلك أزمة الحمّى القلاعيّة ، ومخاوفها وخسائرها ، وآمال العاملين في القطاع الحيوانيّ ، التي باتت تلك الأزمة تحدُ من مخططاتهم وإنتاجاتهم ، وتؤرق أعمالهم ، وتصيب حوالي ١٤٧٨ رأس بقر من أصل حوالي ٩٢ ألفاً موجودة في الأردن ، من ٥٢ مزرعة مختلفة ، وفقاً للنظام الإلكتروني المتكامل لرصد الأمراض الحيوانيّة .
كنت قد كتبت مقالات شاملة حول هذا الموضوع ، خوفاً على القطاع الزّراعي والحيوانيّ ، ولأنّ ثقتي مجروحة بمعالي المهندس خالد الحنيفات ، ويعرف جميعنا حجم الطّموحات من هذا القطاع ، ومدى حاجة المواطنين للحفاظ على مصادر دخلهم العائد من الاستثمار في الثّروة الحيوانيّة ، سيما أن ٩.٧ بالمئة من سكّان الأردن يقطنون الأرياف .
كيف تعامل معالي الوزير خالد الحنيفات ؟
كنت قد وجهت لوزارة الزّراعة الانتقادات ، عبر آخر المقالات ، والحديث عن الحمّى القلاعيّة كان صعبّاً ومؤرقاً ، لكنّ معالي الوزير يفتح صدره، ومكتبه، وهاتفه، للرسائل والآراء والشّكاوى، ومدير مكتب الوزير شادي الوريكات حمل تلك الرّسائل بإقتدار وقد علمت حين حدوث الأزمة أنّ الوزير قام بتأجيل مهمّة له في الخارج ، ليبقى بجانب طاقم الوزارة ، لينهي مِلف الحمّى القلاعيّة ، وإستقبل الأفكار المختلفة التي تصب بمصلحة قطاع الثروة الحيوانية ، وإستمع لشكاوى المزارعين ، وتواصل مع المتضرّرين .
إستدعى خلال تلك الفترة لجنة من خبراء المنظّمة العالميّة للصّحّة الحيوانيّة ، لتتبّع أسباب التّفشّي وتحديد مدى قدرة الخدمات البيطريّة الأردنيّة ، على السّيطرة على البؤرة المرضيّة ومنع إنتشارها ، وجاءت تأكيدات لجنة الخبراء نجاح إجراءات السّيطرة التي قامت بها الخدمات البيطريّة ، التي إستطاعت حصر أعداد الإصابات ومنع إنتشارها ، وبتوجيهات الوزارة إستمرت المسوحات الوبائيّة للتأكد من عدم تسجيل أعداد جديدة مصابة . وإستخدام سياسة التّحصين على إمتداد ١٠ كم من بؤرة الإصابة ، وتطبيق أساليب وإجراءات متطورة أثمرت عن حصر أعداد الإصابة ووقف الإنتشار .
بمتابعة خاصّة من معالي الوزير لقضيّة الحمّى القلاعيّة ، وبإسلوبه المتعارف عليه وقتما الأزمات ، يفعّل دور المسؤوليات ، ويوزّع المهمّات ، ويكثّف اللقاءات والدّراسات وأخذ العيّنات ، ويقف على ما وراء المشكلات ، بروح القائد يقف أمام التّحديّات ، وبتواضعه يستمع الحيثيّات ، لإجراء اللازم ولمعرفة النّقطة الحاسمة، لإنهاء المِلفات .
مساعد الأمين العام للثروة الحيوانيّة ، المهندس علي أبو نقطة ، لم يدخر جهداً في هذه الأزمة ، وحمل توجيهات معالي الحنيفات ، يتابع بالتّفصيل النتائج ، يطبّق رؤى الوزارة ، للوقوف على حالة القطاع الحيوانيّ في المملكة .
بعد ذلك دعت وزارة الزّراعة المملكة العربيّة السّعوديّة ، إستئناف عمليّة إستيراد المواشي الحيّة من الأردن ، مع تأكيد إلتزام الأردن بتطبيق أقصى إجراءات الأمن الحيويّ والأخذ بتوصيات دستور المنظمّة العالميّة للصحة الحيوانيّة .
مديريّة الزّراعة في لواء الطيبة كانت مميّزة ، ببصمة المهندس بسام بني عيسى والدكتور عصام العمر ، من خلال وقوفهم على إحتياجات المزارعين في هذه الأزمة ومساعدتهم ، وقد تطول القائمة لأنّ الكبار لا يعملون إلّا بمعيّة الكبار ، ووزارة الزّراعة بقيادة الحنيفات في أيدي أمينة .
كذلك هي جملة الأحداث في هذا الوطن ، تبدأ " أزمة " ، ومن ثم تتحوّل قضيّة رأي عام ، إمّا أن تُصبح كارثة وتحمل الويلات ، أو تأتي مجهودات المُخلصين من القادة وهم " ندرة " أمثال معالي المهندس خالد الحنيفات ، ليتحوّل الصّعب مهمّة ليّنة ، يستفاد من جدول أعمالها ، وتختصر كلماتها " كيف نتعامل مع الأزمة " .
حفظ الله الأردن وشعبه وحفظ الله جلالة الملك عبدالله بن الحسين وولي عهده الأمين.