الأقصى بين التقسيم الزماني والمكاني
محمد حسن التل
21-02-2023 05:16 PM
القادمون من القدس يقولون أن الإسرائيليين استقروا على السماح للمستوطنين و المتدينين اليهود اقتحام ساحات الأقصى يوميا ما بعد صلاة الفجر إلى صلاة الظهر ، ويرون هذا بأنه تأسيس حقيقي لتنفيذ خطة تقسيم الحرم القدسي على طريقة تقسيم الحرم الإبراهيمي في الخليل .. والتقسيم الزماني في عقل السياسة الإسرائيلية هو المقدمة المناسبة للتقسيم المكاني الذي يعملون من أجله، ويؤكد ذلك البث الإعلامي اليومي في تغطية الاقتحامات الإسرائيلية في الحرم تحت حماية مشددة من الجيش الإسرائيلي ، والخطورة في خطة إسرائيل القاضية الى التقسيم أنها تلقى قبولا غير معلن عند الأمريكان والأوروبيين من باب محاولة إنهاء هذه الحلقة الكأداء على طريق إنهاء الصراع في فلسطين ، حيث تحدث قبل فترة أحد السياسيين الأردنيين عن موقف الغرب إزاء الصراع على الأقصى ، وأفاد أن الغرب ينظر إلى الاقتحامات للحرم القدسي على أنها جولات سياحية لمعلم سياحي مدرج على قائمة التراث العالمي في اليونيسكو ، خصوصاً أنهم لا يقومون بأي صلاوات تؤثر على الهوية الإسلامية للحرم !! وهذا معناه أن الأمريكي و الأوروبي لا يمانع في دخول الإسرائيليين الحرم من ناحية المبدأ خصوصاً تحت الغطاء السياحي.
لكن هذا في عرف الإسرائيليين يشكل فرصة للتقسيم الزماني والمكاني خصوصاً أن هناك أصوات في العواصم الغربية خلف الابواب المغلقة تقول أن على العرب التنازل ولو قليلا والسماح لليهود أن يقيموا طقوسهم في مساحة من الحرم القدسي ، وهذا ليس حباً باليهود بمقدار سعيهم لإراحة أنفسهم من الصراع في المجمل .
إن الكثير من دول العالم باتت لا تمانع بل تدفع إلى فكرة تقسيم مساحة الحرم البالغة 144 دونم بين المسلمين واليهود بصورة أو بأخرى كتجربة تقسيم الحرم الإبراهيمي في الخليل ، ولكن ظرف الزمان والمكان هنا مختلف فالحرم الإبراهيمي في الخليل لا يتمتع بنفس قدسية الحرم القدسي عند المسلمين ، وهو أقل رمزية على عظمته ، إضافة إلى أن الزمن الذي كان يفرض فيه على الفلسطينيين الرغبة الإسرائيلية بالمجان أو بالقوة قد انتهى في ظل وجود أجيال جديدة ترفض الإعتراف بالواقع الرديء ، وتصر على انتزاع حقوقها بالكامل في الأرض والدولة والمقدسات معززة ذلك بفعل حقيقي على الأرض وعلى خطوط التماس بين طرفي الصراع. وهي مدركة تماما ان
معظم مساحة الجانب العربي الرسمي يسير على نفس الطريق الذي يرغب به الغرب بإنهاء الصراع في فلسطين بأي طريقة وبأي ثمن ، ولكن هذه الواقع يصطدم كما اشرت بالرفض الكامل من قبل من هم على الأرض في فلسطين ومقاومتهم الفعلية للفكرة.
تبقى القدس عنوان الصراع وستظل البوصلة الحقيقية لقياس صدق المواقف العربية والدولية إزاء إيجاد حل يضمن للفلسطينيين حقوقهم على أرضهم في مقدساتهم ، ويضمن للأمة حقها في القدس .
لابد من الإشارة ايضا الى أن اصحاب الفعل على الارض في القدس وكل فلسطين لا يراهنون على الرأي العام العربي والإسلامي الذي لم يعد جدي تماما مثل الموقف العربي الرسمي ،حيث أن هذه الشعوب تمارس فورة مؤقتة بوجه ما يحدث في القدس الذي يمس عروبتها وإسلامها ثم لا تلبث أن تخبوا ، فالمراهنة اليوم على المقاومة على الأرض في فلسطين لبناء السد الصلب أمام مخططات
سرائيل ، ومن خلفها إزاء القدس ، أو وقوع حدث كبير كالحرب مثلاً تهز أركان المنطقة وتعيد رسم الخطوط فيها.