أهداف لم تسجل في «الكلاسيكو»
رمزي الغزوي
01-12-2010 02:41 AM
عندما نرى كل هذا الشغف بكرة القدم وجنون الناس بعالمها. وعندما يستطيع بعض شبابنا أن يذكروا أسماء فريق برشلونة او ميونخ (كرجة مي) ، وبالإضافة لأسماء جيرانهم وألقاب زوجات أخوالهم ، وهم يتلعثمون بأسماء محافظاتنا ، أو بأسماء قادتنا وتاريخ محننا. وعندما تستطيع مبارة كرة قدم أن تفرض حظر التجول في مدننا لساعتين أو أكثر. عند كل هذا ، يخطر ببالي المثل السوداني الذي يقر بأن أقصر طريق للثراء والشهرة (أن تدق كفراً ، أو أن تضرب وتراً) أي أن تلعب كرة ، أو تعزف على ألة موسيقية. ربما راحت علينا نحن الذين أمضينا أعمارنا في القراءة والكلمات ، وحرق الأعصاب،.
كما يحق للقرعاء أن تتباهى بطول جدائل ابنة خالتها ، وكما يحق للعمشاء أن تتفاخر بالعيون اللوزية الدعجاء لابنة أخت زوج ابن عمتها ، فيحق لبعض شبابنا أيضاً أن يلبسوا قمصان ريال مدريد ، وبرشلونة ، وأن يرسموا أعلامهم على الوجوه ، ليشاركوا في الكلاسيكو(الاسم الحركي للقاء الريال مع برشلونة) بطريقتهم الخاصة ، فيفتعلون المشاجرات بالحجارة والأمواس ، ويتبارون بإطلاق الشتائم العابرة للحارات أو القارات. يا وجعنا،.
الإنسان الأول كان يطارد فريسته بشكل جماعي وعشوائي ، وبعد مرور ملايين السنين ، لم يحدث كثير من الاختلاف ، فما زلنا نطارد صيدنا بشكل جماعي ولكنه أكثر تنظيماً ، وهذا الصيد الثمين تغير شكله وحجمه ، وأصبح بهيئة كرة تتقاذفها الأقدام ، ولهذا نتطاير فرحا كلما أحرزنا هدفاً في المرمى ، فكل هدف ليس إلا فريسة مفترضة.
الموسيقى والرسم وخرير الماء وحفيف الشجر وبريق النجوم كلها فشلت أن تكون لغة مشتركة للعالم الكبير. في الوقت الذي نجحت الكرة أن تصبح لغة موحدة تنطق بها كل الأقدام. منتهى الحضارة. إنه عالم يفكر بقدميه،.
فقديماً ، طلب أحد ملوك الصين الحكماء من أحد علمائه النوابغ ، أن يخترع لعبة تحترم ذكاء وتفكير الإنسان ، بعيداً عن لعبة النرد ، التي تستجيب للحظ ، وبالفعل كانت لعبة الشطرنج. وبعد أن راقت له اللعبة وراجت في مملكته ، قرر هذا الحكيم أن تلغى كل المعارك الطاحنة بين البشر ، وتتحول إلى مباريات بالشطرنج ، والفائز يأخذ ما يريده من الخاسر. وفي عالم اليوم لا مجال للشطرنج وعقله ، فالكرة مخ العالم وعقله ، وهوسه المجنون.
مملكة كرة القدم غدت المملكة الوحيدة التي لا تغرب عنها عباءة الشمس ، وكل شيء صار في خدمتها وطاعتها: السياسة ، الأدب ، الصحافة ، السياحة. فهل تخدمنا الرياضة وتهذب من شراسة قروش العالم. وبطشهم. هذا هو الأصل. ولكن ما يحدث هو العكس.
ramzi279@hotmail.com
(الدستور)