في ذكراكِ السَّابعة يا سيَّدة الوفاء
د.طلال طلب الشرفات
20-02-2023 07:09 PM
سبعٌ عجافٍ جفَّ فيها زرع الرّوح وضرع البّوح منذ أن خبا وميض مُحيّاك عن هذه الفانية القاسية، سبعٌ ثقيلة الظل فيها من عقوق الصبر ما أثقل علينا أيامنا، وزاد في صمتنا أوجاعنا، ليالٍ عاصفة في حنايا الروح، ما اكتمل فيها فرح، ولم يبرأ منها جرح، وما غابت وجنتاكِ عن ذاكرة الوجد أيتها التَّقية النَّقية الوفيّة، وأي عزاء يلهمنا الصبر سوى أنَّك في ضيافة رب العزّة الذي يعرف سجاياك وعطاياك ورسالتك العظيمة التي رافقتك حتى رمقك الأخير.
أيتها السيدة الأميّة ومعلمة الوفاء والاستقامة:
لم يعد الصُّبح كصُبحكِ البهيّ النَّقي، ولا الحكايا العتيقة تغلفها الطيبة ويعانقها الود، ولم تعد الشَّمس مشرقة كما هي.
أنتِ يا رائعة الطَّلّة وأميرة اللين، وما زالت حكاياك وسجاياك قوت السُّمّار من بني أهلي، افتقدت وجنتيك يا أمي عندما أقول دون أن أفسّر، وحين ألفظ صدأ البوح دون أن أعبّر، وتأتي قبلتك الطاهرة الدافئة كي تزيل كل الوجع المتراكم بين ثنايا الروح حتى إذا أسندت رأسي إلى منبع حنانك غادر غبار الأيام الذي أورثه التعب، واسترديت أنفاسي.
يا سيَّدة الوفاء الأخير ...
أمي؛ غرَّاسة الصّدق في نفسي، وزرَّاعة الحس في قلبي، ووجع قادم الأيام من عمري، لم يعد الشَّاي الذي نحتسيه بخبزك العفيف كل صباح كالشاي، وحضورك الطاغي الجميل الذي يؤنسنا في قسوة حياتنا، ويلهمنا الأمل والشكيمة نحو غدنا الذي صنعتِه بصبرك وطهرك وعنادك الجميل الذي منحنا التفاؤل الممزوج بالأمل، وما عاد الخبز المجبول بعطر أمومتك الندي يستهوي أرواحنا كما كان حيث أنتِ، نبكيكِ أيتها الشامخة بتاريخك المشرق آناء الليل وأطراف النهار لعل الرُّوح بالدموع تهدأ.
أمي ومعين الفخر في قدري:
لقد هجرني الرفاق، واستبدّ بزمننا النفاق، وغادرنا الأماكن التي لا نأنس بها، وبات لا يستهوي الرُّعاة صوت النَّاي، حتى استأسدت خراف الزمن الصعب وضاع الرأي، فأيامنا خالطها الوجع، وذكرياتنا استبدّ بها الدّمع، وأقدارنا لاذ بها الصَّمت، لقد سئمنا -يا أُمَّاه- الأقنعة التي لم تألفها أرواحنا، واشتقنا لطفولتنا التي يمتد فيها الحلم في كل مساحات الفضاء والنَّقاء. قهرنا اليُتم وقد غاب نُصحكِ، والذئاب لم تعد تكفيهمُ شاة.
أيتها البدويَّة الحُرَّة
تعلمنا من نبل حليبك المجبول بالعنفوان أن الهوية فجر، والولاء طهر، والانتماء قدر. تعلمنا منك كيف نكون للوطن لا عليه، وأن انحدار الرجولة بكل قيمها ومفاهيمها موت مهين. ألستِ من قال أن الرجل يرخص في الحياة مرة كي ينتهي؟ لقد قسّموا الولاء من بعدك يا أمي، فأضحى هناك الولاء الفاقع والصَّامت، والولاء للسفارات والأعطيات، ومراكز الرصد والتمويل الأجنبي. ما عهدنا أقبية الليل وقد رضعنا من ثديِّ حُرَّة هي أنتِ، وكفى …!
السلام عليكِ يا أمي، والرحمة الخالصة لروحك الطَّاهرة، والسَّلام على أبي الذي يجاورك في مثواك ويماثلك في سجاياك، والسَّلام على كل الأمهات الحرائر اللواتي أورين فلذات أكبادهن الطَّهر والكرامة والصّدق من أجل الإنسانية والثَّرى المقدس كما هي أنتِ … وإنا لله وإنا إليه راجعون.