الكتل النيابية .. موحدة في مجالات لكنها منقسمة في مجالات أخرى؟
د.محمود عواد الدباس
20-02-2023 02:25 PM
ينتمي غالبية أعضاء مجلس النواب التاسع عشر إلى عدة كتل نيابية .فبموجب النظام الداخلي لمجلس النواب الذي صدر في العام ٢٠١٣ م يحق لما لا يقل عن ١٠٪ من أعضاء مجلس النواب تشكيل كتلة نيابية خاصة بهم.
نتيجة لذلك لم يتمكن نواب حزب جبهة العمل الإسلامي في مجلس النواب الحالي من تشكيل كتلة نيابية خاصة بهم عبر ثلاثة دورات نيابية حيث أن العدد المطلوب هو ثلاثة عشر نائبا فيما عدد نوابهم هو دون ذلك الرقم.
اتابع باستمرار ضمن اهتمامي بالشأن العام اجتماعات الكتل النيابية المنشورة على الموقع الخاص بمجلس النواب.
كنت ألحظ أن اجتماعات الكتل النيابية قليلة الا في انتخابات المكتب الدائم للمجلس و انتخابات اللجان النيابية.
كما أنني كنت الحظ ايضا أنه لا يوجد رؤية واضحة لها معلنة ونظام خاص بها معلن على الرغم من أن النظام الداخلي للمجلس ينص على ذلك.
ولعل السبب في ذلك أن الدخول في عضوية غالبية تلك الكتل كان أساسه العلاقات الشخصية بين عدد من أعضاء المجلس من أجل الوصول إلى عضوية المكتب الدائم أو إلى عضوية لجان المجلس حيث يتم اتباع أسلوب المحاصصة بين الكتل النيابية كما هو معلوم في تمثيل النواب في اللجان النيابية بالتراضي والتوافق ولا يتم الذهاب الى الانتخابات إلا إذا لم تنجح عملية التوافق بين الكتل النيابية.
يتبع ذلك أن تختار كل كتلة نيابية رئيسا لها ونائبا للرئيس ومقررا و ناطقا إعلاميا وممثل عنها في المكتب التنفيذي لمجلس النواب.
في نظرة تحليلية سريعة على واقع الكتل النيابية في ثلاثة دورات نيابية استنادا إلى ملاحظاتي الشخصية إضافة إلى رصد المقالات الحديثة في هذا الموضوع و كذلك بعض الدراسات المنشورة حول الكتل البرلمانية في سنوات سابقة.
خرجت بالنقاط الوصفية والتحليلية التالية . اولا : في عدد و نسبة المنتسبين إلى عضوية الكتل النيابية نجد أن الغالبية العظمى من نواب المجلس النيابي كما ذكرنا في بداية المقالة أنهم مشاركين في عضوية الكتل النيابية.
ففي الدورة البرلمانية الاولى ٢٠٢٠-٢٠٢١ م كان عدد أعضاء الكتل النيابية ١١٨ نائب و في الدورة الثانية ٢٠٢١ م-٢٠٢٢ م كان عدد أعضاء الكتل ١٢١ نائبا وفي الدورة النيابية الثالثة الحالية ٢٠٢٢ م- ٢٠٢٣ م كان عدد أعضاء الكتل ١١٧ نائبا .ثانيا : فيما يتعلق بعدد الكتل المشكلة فقد تراوح عددها ما بين ست إلى ثماني كتل نيابية . ففي الدورة البرلمانية الاولى ٢٠٢٠-٢٠٢١ م كان عدد الكتل ست كتل . ارتفعت إلى ثماني كتل في الدورة الثانية ٢٠٢١-٢٠٢٢ م ثم انخفضت إلى سبع كتل في الدورة الحالية ٢٠٢٢-٢٠٢٣ م .ثالثا : فيما يختص بحالة الثابت و التغير في عضوية الكتل البرلمانية نجد أن هنالك تغيير و تبديل يحدث أو يتم في بداية كل دورة برلمانية جديدة لأسباب وقناعات شخصية وخاصة في الدورة الحالية ساعد على ذلك حل كتلة الشعب مما أدى إلى زيادة عدد أعضاء الكتل الأخرى . رابعا : في العلاقة مع الحكومة حول مشاريعها المقدمة إلى مجلس النواب ومع أن الأساس النظري في تشكيل الكتل النيابية أن تكون ذات رؤية واضحة تسهم في إثراء العمل النيابي وأن يتبع ذلك التزام من أعضاء الكتل بما تقرره كتلهم التي ينتسبون إليها عند التصويت على مشاريع القوانين المقدمة إلى المجلس . الا أن الحقيقة البارزة تقول بغياب الموقف الواحد من أعضاء الكتل النيابية تجاه ذلك ولعل التصويت الذي تم الأسبوع الماضي على مشروع قانون الموازنة العامة للدولة خير دليل على ذلك حيث ظهرت حالة الانقسام داخل الكتل النيابية .كان ربع الى نصف أعضاء الكتابة البرلمانية الواحدة في اتجاه معاكس لتوجهات النصف الآخر من الكتلة أو لتوجهات ثلاثة ارباع أعضائها . ليكون السؤال اليوم . اذن ما الداعي لوجود كلمة تلقى باسم الكتلة و لا يكون هنالك التزام بقرار الكتلة من نصف إلى ربع اعضائها ؟.
أمام هذا الواقع للكتل النيابية عبر الدورات الثلاثة . هل ثمة حلول تفضى إلى كتل أكثر انسجام و أكثر صلابة و اكثر توحد والتزام بما يتعلق بمشاريع القوانين التي تقدمها الحكومة إلى مجلس النواب. تكثر هنا الاقتراحات . فلو قلنا بمقترح إعادة تشكيل الكتل النيابية على أساس حزبي .حينئذ سنكون أمام حقيقة أن كتلة حزب الميثاق ستكون هي الأكبر حيث يقدر عدد اعضائها من ٦٠ إلى ٦٥ نائب . وسيكون هنالك كتلة حزب الائتلاف الوطني والتي يصل عدد اعضائها إلى ١٥ نائب . نتيجة لذلك المقترح فربما لا تتمكن الأحزاب الأخرى من تشكيل كتلة نيابية خاصة بهم ذلك أن اعداد المنتسبين إلى أحزاب أخرى دون العشرة أعضاء كما هو في حزب العمل الإسلامي ودون الخمسة في أحزاب سياسية أخرى . إلا إذا ضم الحزب في كتلته النيابية نواب قريبين منه كي يستطيع أن يشكل كتلة نيابية وفقا لاحكام النظام الداخلي لمجلس النواب . من الحلول الأخرى أن تعلن كل كتلة نيابية عن رؤيتها ونظامها الخاص بها من أجل التزام اعضائها بقرار الكتلة وبغير ذلك يغادر العضو المخالف تلك الكتلة أو يفصل منها علما بأن النظام الداخلي للمجلس يدعم ذلك حيث يسمح باستقالة عضو الكتلة النيابية منها أو فصله منها كي تبقى الكتلة متجانسة وليست منقسمة على ذاتها وبالطبع يستثنى من ذلك أن يكون قرار الكتلة النيابية هو تعويم اصوات اعضائها . وهو أسلوب يستخدم أحيانا في عملية اتخاذ القرارات لأسباب معينة . ومن المقترحات الأخرى يأتي أهمية تعديل النظام الداخلي للمجلس الذي يقتصر حاليا تحديد موعد تغيير عضوية النائب من كتلة إلى أخرى إلى بداية كل دورة برلمانية وبرأيي الشخصي فإن ذلك لا يخدم ايجاد كتل ذات رؤية واضحة مع التزام كامل من أعضائها بقراراتها.
الفكرة الرئيسية لهذا المقالة كنتيجة طبيعية للفقرات السابقة هو تأكيد حقيقة أن أغلب الكتل البرلمانية موحدة عموما بما يخص تنفيذ نظام المحاصصة في تقاسم مواقع مجلس النواب في مكتبه الدائم ولجانه المتعددة . لكن في الجانب الذي يخص التعامل مع الحكومة فهي كتل منقسمة على ذاتها . فلكل نائب حساباته السياسية و الجغرافية و الشخصية في اتخاذ قراره لحظة التصويت بما يخص التعامل مع الحكومة سواء بما يتعلق بالتصويت على الثقة بالحكومة. فخياراته هنا . ثقة . حجب . أو امتناع أو الغياب عن الجلسة أو الخروج من الجلسة لحظة التصويت . وكذلك الحال في عملية التصويت على مشروع قانون الموازنة العامة . فهو بقول .نعم. أو لا . أو يذهب نحو التغيب عن حضور جلسة التصويت أو يغادر قبة البرلمان لحظة التصويت .
ختاما . إن نجاح الكتل النيابية في عملها السياسي في الرقابة والتشريع هو المقدمة لنجاح الأحزاب السياسية خاصة وأن غالبية أعضاء المجلس الحالي هم اليوم أعضاء في أحزاب سياسية ؟. فماذا نحن فاعلون ؟.