كيف نرتقي بجامعاتنا كأعضاء هيئة تدريسية؟
د. فرحان عليمات
20-02-2023 02:33 PM
سأتناول في هذا المقال عدد من الإشكاليات التي تعتري تفاصيل العمل الجامعي في جامعاتنا، وتحديدا ما يتعلق بدور العاملين في الجامعات ( من أعضاء الهيئة التدريسية والإدارية)، وهم الذين يعوّل عليهم النهوض بالجامعات أولا وأخيرا، وبالإضافة إلى الواجبات المطلوبة، فهناك واجبات انسانية تمارس من عمق أنتماؤنا واحساسنا بالمكان الذي ننتمي إليه، وهنالك ظواهر وسلوكيات غير مقبولة،ووجودها يختلف من جامعة لأخرى تبعا لمعطيات ومتغيرات كثيرة، وقد تكون بحدودها الدنيا، لكنها بشكل أو بآخر تؤثر في سوية التعليم الجامعي ومخرجاته، وأهدافه، ومعالجتها من قبلنا لا شك يجوّد مخرجات التعليم، ويفعّل التشاركية والتعاون سواء مع الإدارات الرئيسة في الجامعات، أو مع أعلى جهة معنية في صياغة أهداف ومخرجات التعليم العالي ألا وهي مجلس التعليم العالي، والجامعات الأردنية كل منها يمتلك من المقومات والتمايز ما يبؤها لتكون الأفضل .
تساءل زميل فاضل في منشور له على الفيس بوك، " أين العلة في الجامعة، أم من في يقودها" ؟، وكان السؤال يتعلق تحديدا بأوضاع أحدى جامعاتنا المالية، وجاء وأنا أعد لهذا المقال ، ولعله تساؤل وسؤال يطرحه كثر حول مشاكل بعض الجامعات، فإنّي بداية أرى أنّ لا سبيلا لتشخيص العلة إن جاز تسميتها إلا بتعاون العاملين مع الإدارة، وتعاون الإدارة مع العاملين، وبالتأكيد ليس التعاون فقط في قضية بذاتها، وإنما بكافة مفاصل العمل الجامعي؛ فالإدارة وحدها لايمكنها النهوض بالجامعة، وإنما تعاون الجميع بدون استثناء، وكل فرد في الجامعة يستطيع أن يقدم لها ما يرتقي بها، ويعلي مكانتها، وفي هذا المجال فمن خلال خبرتي ومعرفتي بالجامعات الأردنية، فإنّ ما سأورده لا يعمم -وإن كان يستحق الوقوف عنده- ، ففي الجامعات الأردنية طاقات كفؤة ووطنية ومخلصة تعمل بصمت، وتدرك واجبها بعمق بعيدا عن أي مصالح أو مكتسبات إضافية ، ولها كل الاحترام والتقدير.
أولا: عمل وأداء الإدارات الفرعية
اتناول هنا الدور الملقى على عاتق ( الإدارات الفرعية) للنهوض في الجامعة، ومساعدة الإدارة الرئيسة على إتخاذ القرار الصائب، فمن الطبيعي ألا يلم رئيس أي جامعة بكافة تفاصيل وجزئيات العمل الأكاديمي فيها، فمثلا فيما يتعلق بفتح التخصصات والبرامج الجديدة وزيادة الطاقة الاستيعابية للبرامج القديمة؛ وفتح برامج تحديدا بالدكتوراة، وبعضها برامج يحتاجها الأردن والأقليم، ويدر دخلا يقدر بالملايين في تراكميته، ويلبي حاجة متزايدة لطلبتنا الأعزاء بدلا من السفر خارج الأردن من أجل دراسته، وتحويل العملة الصعبة خارج الوطن، ويتكبد ابناؤنا أعباء التعب والسفر والانقطاع عن العمل، فقد يوضع عبارة أمام الرئيس، مثل يحتاج "فتح البرنامج تعيين أعضاء هيئة تدريسية" – والتعيين في الجامعات لعله يكون من أبغض الحلال عند الرؤساء - لما يرافقه من إشكاليات كثيرة ، وعموما قد تكون الحاجة تعيين عضو هيئة تدريسية واحد أو أثنين لا يكلفان (60 ) الف دينار سنويا، بينما البرنامج يدر دخلا متكررا بنحو (500) ألف دينار، وذات الأمر بالنسبة لرفع الطاقة الاستيعابية لبرامج الماجستير، إذ يؤمن زيادة (40) طالب على العدد الأصلي في بعض البرامج، وتوضع ذات العبارة ، حتى وأنت تأخذ موافقة الجهة المعنية (هيئة الاعتماد ) شفويا بأنه لا مانع من رفع الطاقة الاستيعابية للبرنامج أو البرامج دون تعيين أعضاء هيئة تدريسية، ويقوموا بالاتصال مع الشخص المعني، توضع العقبات والعراقيل، مع العلم أنّ بعض البرامج تشهد إقبالا كثيفا وتدر دخلا إضافيا متكررا يقدر ب (200) ألف دينار لكل برنامج، ويحدث تنمية مستدامة للجامعات بكل مكوناتها ومحيطها البشري، ويعد السبق في فتح برامج دراسات عليا في الجامعات من الأهمية بمكان، إذ أنّ ذلك له علاقة بتعليمات وشروط استحداث برامج الدراسات العليا الصادرة عن مجلس التعليم العالي وهيئة الاعتماد وضمان الجودة، ففي الأمس القريب صدرت الموافقة لجامعة أردنية بفتح برنامج الدكتوراة في الحاسوب، وكان لهذا البرنامج أن يكون في جامعة ظروفها المادية صعبة، وهو برنامج لا زال يلقى إقبالا من الأردنيين والطلبة الوافدين ، وبالتاكيد يمكن لنا أن نقيس كل ذلك على أمثلة كثيرة في كليات الجامعات المتعددة، وتحرم الجامعات من دخل مؤكد، ويبقى التساؤل لما يتم ذلك، وكيف نطالب الجامعة بتحسين ظروفنا المادية، فنحن بالأولى معنيين بتحصيل رواتبنا، ثم نذهب للحوافز، ويبرز مثالا آخرا يتعلق بالترقيات الأكاديمية، إذ يحاول البعض تعقيد ترقية زميل له وبدون وجه حق، فالترقية يا سادتي وإن كانت إضافة شخصية للأكاديمي، فهي بذات الوقت إضافة مهمة للجامعة، فالرتب الأكاديمية متطلب أساس لفتح البرامج وزيادة الطاقة الاستيعابية للبرامج، وإضافة مهمة للبحث العلمي ، ولولا ذلك لما ربطت بحوافز مادية مجزية .
ثانيا : إشغال الإدارة بقضايا فرعية
إنّ عمل رئيس الجامعة محدد بمهام وواجبات كبيرة حسبما ورد في المادة (12) من قانون الجامعات، فليس من الصائب إشغال الإدارة بقضايا الخلافات الشخصية أو الإدارية للكادر، وحقيقة أنه ليس من واجب الرئيس الانغماس والانهاك في مثل هذه الخلافات، وبدلا من تركيزه فيما يسمو بالجامعة ويرتقي بها، يرهق بحل المشاكل؛ وفي هذا الصدد ، فإنّ هذا الأمر يحتاج لمعالجة جذرية لعل أهمها نفاذ احكام التشريعات، والحاكمية العادلة من قبل العمداء ورؤساء الاقسام، وتعزيز الثقة لدى العاملين بانصاف الجميع ، ومن ثم يكون اللجوء إلى الإدارة في القضايا والمواضيع المهمة فقط.
ثالثا : ظاهرة الاستقواء والواسطات
حقيقة نحتاج لإجابة واضحة لحجم الواسطات التي يتعرض لها رؤساء الجامعات، فأظن وبعض الظن أثم أنهم يتعرضون يوميا لعشرات الاتصالات من أجل أحد ما، وهذا حقيقة يشتت جهد الرئيس، ويقلل من الانتاج، ويحبط الكفاءات، ويزعرع الثقة في إدارة الرئيس، ولا اجزم هنا بقبولها، وفي حال قبولها، فغالبا ما تندم الإدارة على قبولها، وفي كل الأحوال فإنها تشكل ضغطا بشكل أو بآخر، ويكثر الأحاديث بين العاملين (وحكى معه فلان وعلان) والواسطة، وهي تنتشر فتشكل ثقافة سلبية في كل مجالات حياتنا، وإذ هي مجرمة في القانون ومحرمة في الأديان، وغير مقبولة في الأخلاق، وتحدث عنها جلالة الملك مرارا وتكرارا، وتبقى معطياتها متغيرة باستمرار، فمن يتوسط للتعدي على حق آخر، سيكون له يوما واسطة وينتزع حقه، أو يترك تداعيات سيئة ويكون على حساب الوطن والإنتاجية، وفي ذات السياق تستغل فئة قليلة وجود أقارب أو أصدقاء لها في مواقع المسؤولية أو النفوذ، فيتم التلويح والترهيب والترغيب بهم لتحقيق أهداف غير مشروعة وغير محقة، فالجميع مواطنون أردنيون، ولا فضل لأحد على أحد إلا بمقدار الأنجاز والانتاج للوطن، والكفاءة فقط هي المعيار الوحيد في العمل والتمايز بغض النظر عن أية عوامل أخرى، وحقيقة أنّ الاستقواء يمارس بشكل منفر، وأحيانا يتم الاستعانة بالواسطة لتعززه، على أنّ كثيرا من مظاهر الاستقواء بجهات مؤثرة يتم دون علمها، وإن تم يكون بشكل شخصي، ولا يعبر عن سياسة أو رغبة تلك الجهة.
رابعا: الطموحات نحو السلطة
يكاد يشكل طموح وتطلعات البعض نحو الإدارة في الجامعات، و منها نحو الوظائف العليا إشكالية تلقي بظلالها على جودة مسيرة الجامعات واستقرارها وانجازاتها، وفي هذا السعي نرى المبالغة في إحباط البعض للإدارة وتقزيم إنجازها، والتصيد لكل عمل أو مشروع لها،بل رأينا كثيرا من النقد يوجه للإدارات وكان منظروه في الإدارة، ولم يقدموا منجزا واحدا، وطيلة فترة وجودهم لم يروا في إصلاح الجامعات كما راؤه وهم خارج الإدارة، وفي هذا المجال، لعلّ من الصائب أن ينحصر عمل عضو هيئة التدريس في العمل الأكاديمي فقط، وأن تكون الوظائف القيادية والإشرافية في الجامعة ضمن معايير عالية، وبشفافية واضحة، وفي الوقت الذي نسمع أصوات تطالب بتعديل أو الغاء قانون الجامعات وقانون التعليم لعالي، واستبداله بقانونين عصريين يراعي كل الفجوات والثغرات التي ظهرت في القانونين، فإنّ من المناسب النظر في هذه الجزئية، أو على الأقل ألا يكون هنالك مجال لعودة عضو هيئة التدريس لعمله إذ ما تسلم وظيفة عليا.
خامسا: الطلبة
يشكل المحور الأهم والأسمى في العملية الجامعية، وبدون الطلبة لا أساتذة ولا موظفين، وفي الوقت الذي تنظم التعليمات واجبات الأساتذة والإداريين، وتقوم الإدارات الفرعية بالمتابعة، يبرز التساؤل الذي يدل على دور الجميع في تقديم خدمة ذات جودة عالية للطالب، فاتساءل هنا، ألا نرى أنّ هنالك اكتظاظ في بعض المساقات، وتصل أحيانا إلى المئات وخاصة في مساقات التعليم الإلكتروني، فكيف تستقيم الجودة في التعليم، وكيف يتم تطبيق استراتيجيات التدريس المطلوبة، قد يجيب البعض بأنّ هذه مسؤولية الجامعة، ولنفترض أنّ ظروف الجامعة المالية صعبة ولا تستطيع أن تعين أساتذة جدد، ألا يمكن لكل عضو هيئة تدريسية التبرع بتدريس مساق مجاني في كل فصل، ألا من الواجب الالتزام بالمحاضرات وفق التقويم الجامعي من أول يوم وحتى آخر يوم، ألا من الضرورة مراعاة العدالة في تقييم الطلبة، ألا من الواجب أن نقوّم طلبتنا بما يليق بطبيعة التخصص، فمثلا إذا كان التخصص يقوم أصلا على الكلمة، فكيف يستقيم التقويم بأسئلة موضوعية ليتجنب المدرس عناء التصحيح الطويل، في حين أنّ غالبية من الطلبة يعجزون عن كتابة فقرة خالية من الأخطاء، ويبرز أيضا احتكار البعض لمساقات معينة، واحتكار مناقشات الدراسات العليا سواء للمناقش الخارجي أو الداخلي، ويكون ذلك تبعا لتبادل المصالح ( جيبني وأجيبك،وادعمني بالتفرغ العلمي لأدعمك)، مع أنّي على ما أذكر أنّ مجلس التعليم العالي أصدر قبل عدة شهور قرارا يجود البحث العلمي في الدراسات العليا، إلا أنّ أنظمة الجامعات في ذلك الأمر قد تكون حالت دون الالتزام به، إضافة إلى التعدي على التخصص، فكل تخصص له نظرياته وله نماذجه، وله أساتذته، فلا يجوز لأستاذ في الفن مثلا أن يشرف أو يناقش عمل طالب تخصصه رياضه وإن كان في ذات الكلية، وإن كانت مناهج البحث ذاتها، إلا أنّ كل تخصص له خصوصيته.
وتأتي المطالب بالتدريس في أيام وأوقات معينة، ليكون الاكتظاظ والازدحام في المساقات الصفية على حساب الطالب، وكيف نبرر مساقات لا يتعدى طلبتها (20) طالب في مرحلة البكالوريس، ومساقات تتعدى (100) في الوجاهي، والمئات في الإلكتروني، ولعل كل ما ذكرت يحتاج إلى تغذية راجعة من الطلبة للوقوف على آرائهم، وحقيقة أنّ كل ذلك لا ينحصر في عمل الإدارة، بل مسؤولية جماعية تقع أولا وأخيرا على أعضاء الهيئة التدريسية، ولا يعقل أن تتابع الإدارة العليا الآف المساقات والأعمال كل فصل.
سادسا: التنوع الوظيفي
أرى أنّ التنوع الوظيفي لكل مؤسسة يشكل عاملا مهما من عوامل نجاحها، فهو ينهي الشللية والمناطقية والمحسوبية، ويعمق قبول الآخر من غير ذات المنطقة الجغرافية، ويقلل من المماحكات والإفتراءات والكيدية والغيرة والشكاوي (ولعلنا هنا بحاجة الى معرفة القضايا المنظورة في المحاكم سواء بين الكادر ذاته، أو بين الكادر والإدارات، على أنّ نسبة من قرارات الإدارة التي يدعي المتضررون منها إنها جائرة جاءت بتنسيب من الإدارات الفرعية، وقد يكون هذا التنسيب أما لسبب شخصي وكيدي، وإما لجهل في مدى مناسبة العقوبة للخطأ، ولعلنا نستدل على ذلك من نسبة القضايا التي يكسبها المتضررون قضائيا)، ويتيح التنوع الوظيفي تنوع الخبرات والكفاءات، والحد من العنف الجامعي، ويفضي إلى تقييم عادل للطلبة في تحصيلهم الدراسي،والجامعات هي مؤسسات وطنية أولا وأخيرا، وليست حكرا أو حصرا لأحد، وهي تعج بعشرات الألآف من طلبتنا من مختلف مناطق المملكة تستحق أن تكون البيئة التدريسية متنوعة وآمنة، ولنا أن نرى نتائج ذلك في بعض الجامعات التي انتهجت التنوع خاصة في كادرها التدريسي مثل الأردنية والتكنولوجيا، والتي لم تحسب على منطقة جغرافية بعينها، وفي هذا المجال لعل من المناسب أن يتضمن تعديل قانون الجامعات إذا ما تم نصا يتطلب خدمة عضو هيئة التدريس لمدة زمنية محددة في غير جامعته، ويكون ذلك متطلبا للترقية من رتبة أستاذ مساعد ومشارك، ومتطلبا للزيادة السنوية لرتبة الأستاذ، ويتم ذلك من خلال نظام يضمن التبادل بين الجامعات، وقد يمتد لكل جامعات الوطن، أو يحصر بجامعات الأقليم الواحد، وهذا النهج تنتهجه كل مؤسسات الدولة بدون أستثناء، ويبرز هنا التساؤل كيف نقبل أن نتبؤا وظائف قيادية جامعية تكون في أقصى الشمال أو اقصى الجنوب بعدا عن جامعتنا، ولا نقبل التدريس بها فترة من الزمن على سبيل التبادل، فمثلما لنا مصالح شخصية، فللوطن مصالح عليا.
لا شك أنّ ما اسلفت من معيقات وظواهر في العمل الجامعي تتشابه في جامعاتنا، وأن اختلفت النسب من جامعة لجامعة تبعا لعدة متغيرات، وفي الوقت الذي اتحدث فيه عن هذه الظواهر والمظاهر، لأؤكد ثانية إنها قد تكون بأدنى نسبها، ولا تمثل الغالبية من العاملين في الجامعات الذين يتمتعون بالصدق والإنجاز والعطاء في العمل، ولعل دراسات حقيقية وجادة تدلنا بوضوح وعمق إلى كل تلك الظواهر وتفاصيل العمل الجامعي، وترشدنا إلى طرق معالجتها بشكل آمن وعلمي، وبما ينعكس ويعود إيجابا على جميع مكونات الجامعات من طلبة وأساتذة وإداريين ومجتمع محلي، وفي المحصلة على الوطن، لندع جامعاتنا تسير في ايقاعها الطبيعي لتعود كما كانت، وأن تكون بيئة آمنة جاذبة ترتقي بكل مكوناتها؛ فالجامعات نبعا غدقا روى وسيروي أجيال وأجيال، لنعمل ما علينا بصدق، وليكون لكل جامعة نهجا مؤسسيا متميزا مستقلا في العمل والعطاء يحقق المكتسبات ويديم المسيرة، وبعدها نحاكم الرؤساء على تقصيرهم وإدارتهم إذ كانت سببا، ومثلما لنا حقوق، فبالتأكيد علينا واجبات، وعادة تسبق الواجبات الحقوق.