انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة مراكز الدراسات التي توفر لمجموعة المسؤولين السابقين والطامحين وجمهرة من الشباب المدرب عبر بوابة مؤسسات التمويل الأجنبية منصة للاشتباك بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والقضايا الاقتصادية والاجتماعية.

اللافت أن هذه الظاهرة والتي تعتمد في الأساس على تمويل سخي من المنظمات الدولية والأجنبية بدأت في الاتساع لتغدو تلك المراكز تعبيرا عن تخلق نخب جديدة تتخذ من هذه المؤسسات منصة لإبراز نفسها و الاشتباك مع مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية.

لقد كانت مؤسسات الدولة الأردنية، مؤسسات البيروقراطية ومؤسسات المجتمع المدني من أحزاب ونقابات والبنى الاجتماعية التقليدية الرافعة لظهور نخب الدولة والمجتمع والتي وفرت خلال العقود الماضية أهم الكوادر البشرية في الدولة الأردنية والتي بفعل بنيتها التاريخية كانت الحيز الوحيد لإنتاج النخبة في ظل غياب برجوازية وطنية أو حالة مدنية قادرة على إنتاج النخبة وتصعيدها .

‏اليوم ومع تراجع البنى السابقة ، عن إنتاج النخبة نشأت ظاهرة جديدة يمكن تسميتها ظاهرة مؤسسات المجتمع الأجنبي وهي المؤسسات التي تتبنى الرؤية ليبرالية وتقوم بتوظيف و استقطاب الكوادر التي مرت عبر تلك المؤسسات الدولية من خلال برامج التدريب والتأهيل ما يسمى تمكين المرأة و الشباب وديمقراطية وحقوق الإنسان و اللاجئين وغيرها من الملفات التي كانت العناوين للتمويل الأجنبي على المستوى الوطني.

‏اللافت أن أبرز قادة تلك المراكز البحثية كانوا جزء من لجنة تحديث المنظومة السياسية وكانوا فاعلين في إنتاج مقارباتها على مستوى قانون الانتخاب و الأحزاب الا ان هؤلاء سرعان ما غادروا هذا المربع ولم ينخرط أي منهم في حزب بهدف إنجاح مسار التحديث السياسي الذي شاركوا في صياغتها.

‏يقدم هؤلاء أيضا الأرقام الرسمية حول البطالة والفقر والمؤشرات المحلية والدولية كعناوين بحثية يجري استقطاب مسؤولين سابقين في العادة الحديث فيها وحولها على الرغم من أن هؤلاء كانوا حتى وقت قريب من أركان السلطة ومن صانعي القرار فيها.

‏إن الدولة الأردنية وبنيتها والتاريخية تشكلت من القوى الاجتماعية التي انخرط بفعالية في مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش منذ تأسيس الدولة عبر 100 عام وستبقى مؤسسات الدولة الوطنية رغم حالة الضعف التي تعتريها الآن هي المصدر الأول والأخير للنخبة الوطنية القادرة على إمساك بمصالح الدولة الأردنية.

وما نموذج جائحة كورونا التي ألمت بالعالم قبل سنوات اكبر دليل على أن مؤسسات الدولة هي محط ثقة الاردنيين وعنوان التفافهم في مواجهة اي تحدي وهو ما كان خلال ١٠٠ عام من عمر الدولة الاردنية، والتي تواجه اليوم تحد تاريخي يتمثل في أزمة اسرائيل والتي تقف على مفترق طرق ربما يعصف بهذا الكيان، إضافة لتداعيات التحولات العالمية في ظل تنافس دولي على شكل النظام الدولي ما بعد نظام القطب الواحد