تعد متلازمة انتظار بدء الحياة من المتلازمات المنتشرة في وقتنا الحاضر, إذ ينتظر العديد من الأفراد حدوث مؤثر خارجي يعمل على تغيير مجريات حياتهم ليبدؤوا حياتهم الجديدة, فهم يشعرون بالحزن والتعاسة، ويهملون أنفسهم لدرجة أنهم قد يدخلون أحيانا في حالة من الاكتئاب لاعتقادهم أن حياتهم الحقيقية لم تبدأ بعد! ليبقوا على أمل أن يحدث تغييرٌ جذريٌ ومحوري ليمارسوا حياتهم المُنتظرة بعدها، كالسفر، أو الحصول على الوظيفة، أو الزواج، وما إلى ذلك.

وإذا نظرنا لواقعنا وفكرنا بشكل أكثر جدية وسألنا أنفسنا, ماذا ننتظر لكي تبدأ الحياة؟ وكيف نبدأ؟ لوجدنا أن قيمة الحياة تكمن في السعي لتحقيق الأهداف, فماذا لو لم يحدد الفرد أهدافه؟ وماذا لو لم يكن للإنسان طموح؟.

ولو تأملنا قول الله تعالى(وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) [النجم:39], لوجدنا أن السر يكمن في الفعل وليس في التمني والرغبة والانتظار, فالسعي يشير إلى الإيمان التام بأن الفرد خلق ليخوض دروب الحياة ويتوكل على الخالق ليحقق ما يريد, أي أن على الفرد أن يحدد هدفه ثم يتقدم, وأن يضع قانونًا في حياته إن من لا يخطئ لا يتعلم.
كما على الفرد أن يمتلك شعورًا بالامتنان لكل تفاصيل حياته, وأن يكون قادرًا على التكيف مع كافة الصعوبات التي تواجهه, ليجمع بين التفاؤل والأمل والسعي, فالامتنان يمثل أحد الدوافع الرئيسية للسلوك الايجابي الذي يدفع بالفرد لإيجاد حلول وأفكار إيجابية في كل المواقف الحياتية ليكون سعيدًا وراضيًا عن كل مجريات حياته, في ظل رحلته للسعي لتحقيق أهدافه وطموحاته, وعليه أيضا أن يسعى جاهدًا في تطوير قدراته ومهاراته وأن يعلم نقاط قوته ويستغلها, ويحدد نقاط ضعفه فيعالجها, ليكون قادرًا على خوض الحياة دون الحاجة لمؤثر خارجي أو حدث محوري ليغير مجرياتها.

فالحياة تمضي ولن يتوقف الزمن وينتظرك لتبدأ, لذا عليك بالسير نحو تحقيق ما تطمح إليه بكل ما أوتيت من قوة وجهد وثقة بالله, فكل المهام يمكن تحقيقها بالعمل والسعي والإيمان بأن الخيرة فيما اختاره الله, وعليك أن تكون قنوعًا بما تمتلك حتى وإن لم تعطك الحياة كل ما تريد, فالسعادة تكمن في أن يكون للفرد الحد الأدنى من أي شيء, وهذا هو الحد الأقصى من القناعة, لذا لابد عليك من أن تبدأ وتخوض معارك الحياة لتصل إلى ما تريد وتشعر بلذة تحقيق الأهداف والانتصار, ولن يكون ذلك إلا إذا انتصرت أولًا على ذاتك.