البنك المركزي .. السعيد من اتعظ بغيره
سلامه الدرعاوي
30-11-2010 03:19 AM
منصب محافظ البنك المركزي هو من اكثر مناصب الدولة استقرارا, فلا يشهد تغييرات كما في المناصب الاخرى, ولا يمكن التلاعب بهذا المنصب لاهميته الحيوية في تعزيز الاستقرار الاقتصادي, لذلك لا يتم تغيير المحافظ قبل استيفاء المدة القانونية البالغة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة وهذا ما حدث فعلا مع المحافظ د. امية طوقان الذي عين عضوا في مجلس الاعيان.
المرحلة السابقة وهي فترة ادارة المحافظ طوقان كانت مليئة بالتحديات والانجازات والاخفاقات معا, ولا بد من الاشارة لما تحقق سابقا حتى تستفيد الادارة الجديدة من تلك الانجازات وتحافظ عليها من جهة وتتجنب الاخطاء التي وقعت من جهة اخرى, فالسعيد من اتعظ بغيره.
على صعيد الانجازات استطاعت سياسة طوقان في السنوات العشر الماضية الحفاظ على سعر صرف قوي للدينار وهو امر في غاية الاهمية لتعزيز بيئة الاقتصاد الاردني وجذب الاستثمارات اليها.
كما حقق البنك المركزي مستويات قياسية في بناء منظومة ودائع (22 مليار دينار), وارتفاعا حقيقيا في احتياطات المملكة من العملات الصعبة ( 12.1 مليار دولار ) وان كان الارتفاع الاخير عائدا للسندات الدولية التي حصل عليها الاردن بقيمة 750 مليون دولار, ولا ننسى ان التسهيلات هي الاخرى تجاوزت الـ 14 مليار دينار لاول مرة مع تحفظنا على هيكل توزيع تلك التسهيلات على القطاعات المستفيدة علما ان الحكومة هي الزبون الاكبر المستفيد من تلك التسهيلات.
اما على صعيد الاخفاقات فقد شهدت السنوات العشر الماضية قصصا مؤلمة حدثت في الجهاز المصرفي كاد بعضها يهوي باستقرار الاردن الاقتصادي لدرجة ان البعض كان يقارن تلك الفترة مع ما آلت اليه امور المملكة نهاية عقد الثمانينيات عندما انهار الدينار.
اذا عدنا بالذاكرة قليلا الى الوراء تظهر لنا ازمات مصرفية مريرة, ففي عام 2001 شهد القطاع المصرفي اسوأ واصعب ازمة مالية كان ضحيتها سبعة بنوك فيما عرف بقضية التسهيلات المصرفية او "مجد غيت" وقدرت خسار البنوك بحوالي 227 مليون دينار.
بعد ثلاثة اعوام وفي الوقت الذي ما زال يعيش القطاع المصرفي تداعيات ازمة التسهيلات تفاجأ الشارع العام بازمة بنك فيلادلفيا وقدّرت خسائر الجهاز المصرفي والمودعين بحوالي 86 مليون دينار.
بعد ذلك ظهرت ازمة مصرفية من نوع جديد فيما عرف وقتها بقضية عماشة ونظمي اوجي, حينها كان الحديث عن خسائر تجاوزت الـ 50 مليون دينار ضحيتها ايضا اربعة بنوك محلية.
في عام 2009 ظهرت ازمة بنك المال التي تدخل البنك المركزي في اخر لحظة لحماية حقوق المودعين والمساهمين في الوقت الذي تم فيه حل مجلس ادارة البنك وتشكيل ادارة مؤقتة برئاسة المحافظ الحالي, وكانت تلك القضية مختلفة كل الاختلاف عن سابقتها, التي بدأت بضغوطات مورست على البنك المركزي حينها من قبل مساهمين كبار للسماح لاحد المستثمرين العرب تملك 51 بالمئة من اسهم البنك المذكور بشكل مخالف للقانون, المستثمر لم يستطع الايفاء بمستحقات الصفقة في موعدها ليصار بعد ذلك اعادة الاسهم الى مالكيها السابقين الذين حصلوا على دفعات مالية كبيرة ثم تعود الامور الى سابق عهدها ويختلف الشركاء فيما بينهم ويكون وضع البنك على المحك.
ثم جاءت الازمة العالمية لتلقي بظلالها على العلاقة بين البنك المركزي والقطاع الخاص الذي اتهم المركزي بانه لا يقوم بواجباته في تحفيز الاقتصاد وبأنه يمارس ضغوطا على البنوك للتشدد في تسهيلاتها مما اثر سلبا على النشاط الاقتصادي الذي دخل في ركود كبير, في حين اتهم البنك المركزي رجال الاعمال بانهم توسعوا في انشطتهم دون دراسات جدوى منطقية واستمر الحال على ما هو عليه الى حين قيام الحكومة السابقة بتشكيل لجنة عليا لبحث المشكلة حيث اصدرت توصيات خاصة عملت الحكومة على تنفيذها رغم تحفظات البنك المركزي.
الادارة الجديدة للبنك المركزي مطالبة اليوم بالاستفادة مما تحقق فعليا على صعيد السياسة النقدية في عهد الدكتور اميه طوقان لكنها مطالبة بتجنب الاخطاء الماضية وتعزيز عمليات التحفيز الاقتصادي خاصة ان السياسة المالية استنفدت كافة جوانبها.
salamah.darawi@gmail.com
(العرب اليوم)