فلتكن هذه المقالة دعوةً ومناشدةً ورجاءً بل استجداءً. الداعي المُناشِدْ الراجي المُستجدي هو الكاتب وكل من يخاف علي نفسه وأهلهِ وأطفالهِ من وحوش الشارع. والمدعو المُناشَدْ المُرتَجَىٰ المُستَجْدَىٰ هو كل سائقٍ يقودُ حافلةً لتلاميذ وشاحنةً للبضائع وسيَّارةً للتوصيل ممن يستهينون بالقوانين. وكذلك، أولئك المسؤولون عن السير في البلاد الذين من صلب عملهم حماية المواطن بالقانون ومحاسبته بالقانون.
لقد أسهبتُ بمقالاتٍ سابقةٍ عن ظاهرةِ الاستهانة بالغير التي يتبعها أعدادٌ غفيرةٌ من سائقي هذه الأنواع من المركبات. استهانةٌ تكاد تلامس الوقاحة الجُرمية والإصرار العنيد على ارتكاب الجريمة و توزيع الترويع. لا فارق حقيقي بين من يَسْتَّلَ سلاحاً ليهدد ويؤذي غيره به وبين من يقود آلةً برعونةٍ وتصميمٍ لا يخلوان من تهديدٍ وانزلاقٍ للإيذاء لأن أغلب من يهوى الرعونة لا يريد إيذاء نفسه لكنه يجد متعةً في تضييق الطريق علي غيره و نشوةً في اللنتصار بالسرعة التي تؤدي للإيذاء غصباً. هذه الاستهانة و هذا الاستهتار لا يتواريا لا خجلاً و لا ردعاً بل أنهما بازديادٍ وبائيٍّ.
تتفاجئ ببعضٍ ظاهرٍمن الحافلات البرتقالية المخصصة لنقل الطلبة لأنها تتسابق و تُزاحم و تتشاحن و حمولتها هي الأرواح الغضة التي أَمَّنَّ أهاليها عليها لدى السائق. أنا لا أفهم عدم التزام سائقيها بالأمانة للحفاظ علي الطلبة. رأيت عشراتٍ من هذه الحافلات تنتقل دون تنبهٍّ عبرَ المساربِ و من الشارع الفرعي للرئيسي و العكس من دون أي حذر ملموس و تتجاوز السرعة الآمنة في الانتقال و كأن هناك مكافأة لمن يصل قبل الآخر. إن حافلةً تسير بسرعة ٨٠ كيلومتر يعني أن لركابها سرعةً جسمية مساويةً و أن توقف الحافلة الفجائي لأي سبب أو ارتطامها بجسمٍ آخر سيجعل الركاب يندفعون بسرعة ٨٠ كيلومتر للأمام عبر الكراسي أو النوافذ. و نفس المبدأ ينطبق علي ركاب أي سيارة، و لهذا حزام الأمان الذي يمنع الجسم من الاندفاع نحو الأمام. و الأسوأَ من حافلات الطلبة هو الشاحنات بأنواعها و بحمولاتها الخطرة و مسيرها بالسرعة الهستيرية و إطلاقها أبواقها المريعة دون اعتبار ليمينٍ أو يسارٍ و بتتابعٍ مخيفٍ لإجبار الغير إفساح المسرب غير عابئةً بخطورةِ هذا الفعل علي من حولها. و كذلك تفعل بعض مركبات توصيل الركاب و الطلبات و زاد عليهم الدراجات النارية. سائقو هذه المركبات و الدراجات لهم عيون علي الهواتف و ليس علي الطريق. إنهم في مهمةٍ للتوصيل بأسرع وقت و من دون معرفة المواقع إلا من خلال هواتفهم أثناء السباق مع الشارع و السيارات والمشاة. في كل هذه الحالات التي نراها و نتفادى شَرّّها كل يوم هناك عاملٌ خَفِيٌّ يجب علي السلطات المسؤولة التعامل معه. إكتشافه. ضبطهُ و تلجيمهُ و تحجيمهُ و السيطرةَ عليه. هل هو التذاكي أم التحدي أم الجهل؟ لا يجوز التسامح مع الاستهانةِ و الاستهتار اللذين يسيطران علي الشارع من قِبَلِ هؤلاء وتلك المركبات. لا يجوز الاعتماد علي كاميرات المراقبة و لا الدوريات الثابتة علي أهميتها بل يجب وضع متابعة وقائية حثيثة وقتية مكانية و علنية لوقف هذا الوباء المروري الذي يقتل رغم كل النصيحة والمتابعة المبذولة من الدوائر المختصة.
صارت الاستهانة هي القاعدة المرورية و صار احترام القانون هو الاستثناء. بتنا لا نعلم لماذا تتحول المساحات أسفل جسور شارع المطار و حوافها لساحات وقوف للسيارات و مراكز تجمع لنقل الركاب في شارعٍ يتميز بربطه العاصمة بالجنوب و المطار و تعجب لماذا لا تبادر جهةٌ مسؤولة لخلق مكاناتٍ آمنة للعشرات من الطلبة و العاملين الذين يتوقفون بهذه الأماكن طلباً لمن ينقلهم. لا تفهم لماذا يتحول مسرب الالتفاف لليسار عند إشارةٍ ضوئية لمسرب متشاطرٍ يريد أن يقفز أمام الجميع. لا تفهم الطيران بين المسارب و السيارات و لا التباطؤ غير المنطقي. بدلاً من زيادة أسعار الوقود أقترح أن تقرر الحكومة زيادة أثمان المخالفات لكي تؤلم المخالف. المخالف الذي يتعمد المخالفة تحديداً يستحق الإيلام. لا يبدو أن كثيراً من السائقين مكترثين بزيادة سعر البنزين و السولار بدليل وجود هذه الأكوام المتزايدة من السيارات في الشوراع لكنهم حتماً سيفكرون كثيراً حينما تتضاعف قيمة المخالفة عليهم و علي من يوظفهم سائقين. و قد يفكرون كلهم قليلاً عندما يدركون أن زيادة السرعة تعني استهلاكاً أسرع للوقود و أن الالتزام بسرعةٍ قانونية يعني توفيراً في الاستهلاك. بالطبع، سائقو السيارات الكهربائية و مزدوجة الوقود سيعتقدون أنهم معفيون من هذا التوفير و أن السرعة لن تضر جيوبهم و هو تفكيرٌ قاصر. و هناك حتماً حكمةَ في رفع قيم المخالفات و شدة الحساب و عندما نرى إيقافاً للمخالف شبه فوري من دورياتٍ منتشرة بشكلٍ أكثر مما نراه الآن. من دون شكٍّ فإن أي رفعٍ لقيمةٍ خدمية مثل المخالفات تثيرُ السخط لكن المقابل الممتاز قد يكون هو الحد من الاستهتار. إلا أن تم إيجاد وسائل تحد من السرعة والاستهتار السائدين بشراسة اليوم من دون زيادة كلفة و لا أتوقع وجود هذا الحل السحري.
أنضمُ من غير شك للكثير الكثير ممن يشتكون من التسيب و الاستهانة و الاستهتار و الأخطار المرورية التي باتت تجعلنا نكره القيادة و نخشاها. فهي لم تعد متعةً بل نكداً. و لهذا هذه الدعوة و المناشدة و الرجاء و الاستجداء. أن لا تجعلوا الاستهانة تقود و تروع و تخيف.