هل وضع الشخص غير المناسب في وظيفة لا تتناسب مع امكانياته وقدراته يقود الى كارثة ؟ وهل مطلوب من الامم الحية ان تضع نظاما محكما لفرز القيادات الادارية والعلمية والسياسية والاجتماعية وغيرها لمنع تسلل العناصر غير المؤهلة الى مواقع اتخاذ القرار ؟ للاجابة على هذه الاسئلة لنتمعن الحالة التالية، علنا نتمكن من استخلاص الدروس والعبر:
بينما كانت المؤشرات المبكرة على انهيار وشيك للاتحاد السوفيتي تتوالى في الظهور خلال سنوات النصف الثاني من حقبة الثمانينات من القرن العشرين، أعلن في الاتحاد السوفيتي عن اكتشاف "الكي جي بي" لجاسوس يتبوأ وظيفة رفيعة في مجلس السوفييت الأعلى يعمل لحساب "المخابرات المركزية الأمريكية". كان هذا الجاسوس يترأس جهازا ضخما من اهم مسؤولياته اختيار القيادات الإدارية العليا في مؤسسات الدولة السوفيتية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأكاديمية والعلمية، وبالتالي كانت وظيفته الأساسية المزج ما بين الوظيفة ومن يشغلها بطريقة تؤدي إلى وضع الشخص المناسب في المكان المناسب. اخذت الدولة السوفيتية على حين غرة وفوجئت بالحدث وتخوفت من أن دمارا كبيرا قد أحدثه هذا الجاسوس لاحتمالية انه قد نقل إلى الأمريكيين معلومات هامة ستلحق ضررا بالغا في الدولة التي اصابتها الشيخوخة المفاجئة. لذلك تم تشكيل لجنة رفيعة المستوى للتحقيق معه وتحديد الأضرار التي ألحقها بالاتحاد السوفيتي، تمهيدا لدراسة طبيعة الإجراءات التي لا بد من اتخاذها لتقليل الأضرار الناتجة عن عملية التجسس.
اثناء التحقيق معه، اعترف الجاسوس انه تلقى كمية طائلة من الأموال لقاء تعامله مع المخابرات المركزية الأمريكية، إلا ان اعضاء لجنة التحقيق فوجئوا بقوله ان احدا من المخابرات المركزية لم يطلب منه اية معلومة من أي نوع.. وبالتالي فإنه لم ينقل الى الأمريكيين أية أسرار او معلومات تلحق الأذى بالدولة السوفيتية. وعندما سأله كبير المحققين: إذن، لماذا قاموا بتزويدك بكمية كبيرة من الأموال نظير تعاملك معهم ؟ أجاب: لقد طلبوا مني فقط ان اكون متأكدا ان الشخص المناسب لا يحل في المكان المناسب في بيروقراطية الدولة السوفيتية، وهذا ما فعلته بالتحديد... !!
وبعد سنوات قليلة من هذا الحدث انهار الاتحاد السوفيتي، الامبراطورية الأضخم في تاريخ البشرية. وشخص العالم سبب الانهيار بأنه ناتج بالدرجة الأولى عن انعدام آلية الفرز النوعي للقيادات في مختلف مؤسسات الاتحاد السوفيتي ومن ضمنها مؤسسة رئاسة الدولة والأمانة العامة للحزب الشيوعي السوفيتي حيث تعاقب على هذين المنصبين رجال طاعنون في السن ما أن يبدأ الواحد منهم عمله حتى يدخل المستشفى.. ليتم نعيه بعد قليل إلى الأمة السوفيتية.
هذه حالة إدارية للتمعن واستنباط الدروس، علنا نجد فيها ما يفيد.. !!