كنت أتمنّى لو أنّ المناضل نايف حواتمة "يعود" إلى فلسطين المحررة ، لا فلسطين المحتلة المقسّمة المتشظية ، وأن يحظى في ذلك اليوم التاريخي باستقبال شعبي يليق بابن السلط المسيحي الذي اخترق كلّ المعادلات التقليدية ، وصار مؤسساً وقائداً تاريخياً لأحد أكبر وأهمّ التنظيمات الفلسطينية.
وأضع كلمة "يعود" بين قوسين ، فلست أجد كلمة تشرح واقع الحال أكثر منها ، فهو لا يزور فلسطين لأنّها منها ، فهل يزور الإنسان نفسه ، وهو لا يهاجر أو يلجأ إليها فليس هذا هو الحال أبداً ، وإذا كان التوصيف قانونياً فهو لا يعود إليها أيضاً لأنّه لم يكن هناك أبداً باعتباره مواطناً ، اللهم إلاّ إذا اعتبرنا كونه أردنياً حين كانت رام الله أردنية خلال فترة الوحدة ، وتلك قصّة أخرى.
المهمّ أنّ نايف حواتمة ، الشخصية الأسطورية ، سيدخل إلى فلسطين المحتلة بتصريح إسرائيلي ، وهو أشبه ما يكون بتأشيرة الدخول - الفيزا التي يحصل عليها السياح من السفارات ، ولست هنا أنتقد بقدر ما أصف الحالة ، وهي حالة تؤشر في آخر الأمر إلى نقطة ما تحت الصفر الذي بدأت منه المقاومة الفلسطينية المسلحة التي كان أبو النوف وما زال واحداً من رموزها.
وأظنّ أنّ دخول حواتمة إلى فلسطين اضطراري ، لسبب موضوعي قد يعود إلى محاولة التدخل الشخصي لوقف النزيف السياسي الداخلي باستخدام رصيده التاريخي ، أو لسبب شخصيّ بحت هو التقدّم في العمر ، وأنّ ما تبقّى منه ينبغي أن يكون على الأرض التي عمل من أجلها طوال حياته.
وأسعفني حظّي قبل سنتين بقضاء سهرة طويلة معه ضمّت القليل القليل من أهله ، في بيت عمّه في زيّ ، وبعد منسف سلطي شهيّ طالما افتقده في الخارج ، دخلنا في حوار حميم تناول أصول الأشياء ، فأجابني عن كلّ الأسئلة المحرّمة ، وأظنّ أنّ عينيه كانت تغالب الدمع في بعض المواقف ، ولم يكن الحوار للنشر ولا كان ممكناً له أن يكون ، وحينها لم يكن عرفات قد مات ، ولم يكن المنحنى قد وصل في نزوله إلى الهاوية ، ولست ألعن سوى هذه الدنيا التي تجعل المحرّم أحياناً الممرّ الوحيد للاستمرار ، مجرد الاستمرار.