أهمية الحنكة السياسية في حياة الشعوب
م. وائل سامي السماعين
17-02-2023 01:04 AM
قبل عدة اشهر قامت حركة حماس بأحياء ذكرى مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، وعبرت عن ذلك برسم صورة له على شواطئ غزة ، وتفاخرت بذلك ، واحيت ذكراه بإقامة حفل خطابي ، ففي الوقت الذي تقوم ايران وحلفائها في المنطقة ، بمهاجمة المملكة العربية السعودية والبحرين بشتى الطرق والوسائل ، تتخذ حماس خطوة سياسية اقل ما توصف بانها غير حكيمة ، لأنها تزيد الفجوة بينها وبين السعودية ، فهي احوج للسعودية منها الى ايران على ميزان المصالح ، وليس العكس هو الصحيح ، وتصرف حماس بالتأكيد يصب في مصلحة إسرائيل ، فجهود فصائل المقاومة الفلسطينية ، اذا لم يصاحبها ذكاء سياسي لاستثمار تلك الجهود لمصلحة الشعب الفلسطيني ، فتبقى حبر على ورق .
فولوديمير زيلينسكي رئيس جمهورية أوكرانيا ، يعتقد انه يحارب ويدافع عن أوكرانيا ، ولكنه في حقيقة الامر عبارة عن دمية في يد الدول الغربية ، التي ارتكبت خطوة سياسية غير حكيمة في اثارة هذه الحرب الأوكرانية الروسية ، بهدف استنزاف القدرات الروسية ، وتركعيها واخضاعها تحت السيادة الغربية . كان بإمكان زيليسنكي ان يختار ان تكون دولته محايدة بين الغرب والشرق، وتصبح الدولة الأكثر رخاء في العالم، ، ولكن غياب الحنكة السياسية ، يؤدي الى ان تكون وخيمة على الشعوب ، فالشعب الاوكراني اصبح وقود هذه الحرب القذرة، التي اكلت الأخضر واليابس بسبب الغزو الروسي البشع لها ، بل واثرت سلبيا على مستويات المعيشة في أوروبا فزاد الفقر واصبح الناس يسرقون الطعام في بريطانيا ، وارتفعت اعداد العاطلين عن العمل، وتدهورت العملات ، وكثرت الإضرابات عن العمل . فالغباء السياسي لأمريكا وأوروبا يؤدي الى تمويل الحرب الأوكرانية بمليارات الدولارات على حساب شعوبها ، بينما الفتات يذهب لإنقاذ أرواح الناس في سوريا وتركيا الذي دمرهم الزلزال الأخير، وأصبحت الشعوب الاوروبية هي الأخرى تعاني من هذه الحرب.
صدام حسين ارتكب أخطاء سياسية ، فدخل في حرب شرسة مع ايران لمدة ثماني سنوات، وبعد ان انهك جيشه وجاع شعبه، اتجه الى غزو دولة عربية شقيقة، وكانت نتيجة غياب الحنكة السياسية دمار العراق، وهذا لا يعني على الاطلاق ان صدام لم يكن يحمل صفات وطنية وشخصية مثل الشجاعة والحس القومي العربي وكان يقاوم الفساد بكل اشكاله ،فالخلط في ذلك ليس في محله ، فالقائد، اذا لم يتمتع بالذكاء السياسي ، لا يصلح برأي ان يكون رئيسا لدولة ويقود شعبها ، مهما كان شجاعا او مقدام.
الولايات المتحدة الامريكية أحيانا كثيرة ترتكب أخطاء تنم عن غباء سياسي من الدرجة الأولى، ولكن قوتها العسكرية والاقتصادية تخفف من اثار غبائها السياسي. فبعد اقتلاع صدام حسين من العراق، وبالرغم من النصائح، ارتكبت غباء سياسي بتفكيك الجيش العراقي ، والذي أدى الى ظهور داعش على الساحة العراقية والعربية والعالمية ، ولكن قوتها العسكرية والاقتصادية مكنتها من تخفيف الاثار السلبية لقرارها، وذلك بملاحقة داعش والقاعدة حتى تمكنت من القضاء عليهم نسبيا ، ولهذا كانت وما زالت الولايات المتحدة تعطي أهمية وتستمع في كثير من الأحيان الى رأي الملك حسين رحمه الله ، ومن بعده الملك عبدالله الثاني ، اللذان يتمتعان بالذكاء السياسي بالفطرة.
وقوف الأردن حياديا اثناء الغزو الأمريكي للعراق، كان ينم عن ذكاء سياسي، فلم يكن الأردن مع غزو العراق لدولة الكويت الشقيقة، ولكن موقفه بعدم مشاركة الجيش العربي الأردني في الحرب على العراق كان أيضا ينم عن ذكاء سياسي.
الذكاء السياسي لحركة الاخوان المسلمين في الأردن لا يمكن انكاره، فالذراع السياسي لها جبهة العمل الإسلامي، قامت بتوفيق أوضاعها لتتماشى مع متطلبات المرحلة الحزبية السياسية القادمة في الأردن، وهذا برأي يجعلها تختلف عن باقي الحركات الإسلامية في الدول العربية، التي تستخدم العنف كأداة للتعبير عن آرائها السياسية ، والتي أصبحت مطاردة في كل الدول العربية ما عدا الأردن..
الذكاء السياسي يعزز الرخاء والازدهار للشعوب ويجنبها ويلات الحروب والدمار ، ويمنع انقاق الأموال الطائلة في غير محلها وخصوصا في الحروب ، ويوجه تلك الأموال نحو ازدهار الدول ورخاء شعوبها ، هذا في حال كان قادتها يتمتعون بالذكاء السياسي ، واما غياب الحنكة السياسية تؤدي الى التهلكة لا محالة ، ويجر الويلات والدمار الى الشعوب.
waelsamain@gmail.com