٢٢. قال تعالى" يا بني أقم الصلاة " وقال " يا أبت افعل ما تؤمر" وقال " يا قوم.." . انها ألفاظ الأدب في المخاطبة فهي ألفاظ للتحبب : بني ، أبت ، قوم ، تبني جسر المحبة مع الآخر ، فمن يقول لك يا بني فهو يمحض النصح ويخلص فيه ، ومن يقول لك يا أبت فهو يقدم لك كامل التقدير والاحترام، ومن يقول : يا قوم يشعرهم بأنه منهم ، فأنا منكم وأنتم مني . هذه الألفاظ هي التي يجب أن تسود بين الناس بعيدا" عن حالات الانحراف التي نسمعها : يا صعلوك ، يا حشرة ، يا ابن الحرام ، يا كلب ، يا ملعون وغيرها مما يظهر عند الذين لم يتلقوا أو لم يلتزموا الأدب القرآني .
٢٣. قال تعالى " وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ، قل لا تُسألون عما أجرمنا ولا نُسأل عام تعملون " . انظروا إلى الرقي العالي الشاهق في الكلمة الموجهة . أهل الحق ينصفون الآخر ويقدمون له كامل الاحترام بل يصفون اتجاههم بأنه "جُرم " بينما يصفون اتجاه الآخرين بأنه " عمل " . ويضعون الاحتمالين العقليين الهدى والضلال للطرفين بعيدا" عن النيل من الآخر الذي يعبد صنما" أو حيوانا" أو هوى فهو يدعوهم للتفكر بعيدا" عن الحدود الشكلية التي ينطلق منها كثيرون للنيل من الآخر وتصبح الشكليات عائقا" عن التفكر والتدبر . وما دام الدين لا يتم بالإكراه فلا بد من حسن الكلام مع الآخر لعل وعسى وفي النهاية " وما على الرسول إلا البلاغ المبين " .
٢٤. قال تعالى "يا نساء النبي لستن كأحد من النساء " فقد نلتن شرف الإضافة للنبي فيجب أن تتوفر القدوة لأن مقام النبوة لا يحتمل أن تكون زوجة النبي كأي امرأة .إن زوجة الرجل القدوة يجب أن تكون قدوة ، وبغير ذلك يصبح كلامه بدون معنى لأن الناس ستقول : قبل أن يوجهنا فليوجه زوجته .وهذه الآية ترفع من مقام زوجة النبي وتجعلها في الأعالي. ومعلوم عقلا" أن كل صاحب مقام يراقبه الناس ويقتدون به ولهذا ذكّر اللهُ المؤمنين " لم تقولون ما لا تفعلون" لأن التناقض حاجز بين الناس والحق .
٢٥. قال تعالى" فجاءته إحداهما تمشي على استحياء " . لقد كان دعاء موسى عاديه السلام نابعا" من صميم القلب بعد فراره من فرعون وجلوسه في الظل طريدا" شريدا" غريبا" لا مال ولا مأوى ولا قريب ولا صديق فلم يبق إلا الله ، فناداه " رب اني لما أنزلت إلي من خير فقير " فكان بعدها فورا" " فجاءته إحداهما تمشي على استحياء " ما أعظمك من رب لم تترك عبدا" في الضيق والهم بل كانت استجابة فورية وأي استجابة " فجاءته إحداهما تمشي على استحياء " هي التي جاءته ولم يمش خلفها يختلس مفاتنها ويخون الشرف ويعتدي على العِرض ويُسمع الكلام القبيح والمعسول ويتحرش بأعراض الناس . هي التي جاءته تمشي على بساط من الحياء وهو بساط لا يقارن به بساط أحمر او غيره . انها فوق الحياء لانها من بيت نبي نالت من التربية والتوجيه حتى صار الحياء مطواعا" لها بل بساطا" تسير عليه . يا الله ما اعظم هداياك، وكم هو سعيد من يجد رُبع هذه الفتاة !! واليوم نجد المسافة بعيدة بين هذه النوعية وما نراه . ولهذا كانت الزوجة الصالحة في الاسلام أعظم هدية تأتي للرجل في حياته فهنيئا" لمن كان له هذا النصيب ، وهنيئا" لمن يربي هذه الجواهر من الآباء .