* ...هناك قضايا عالقه بين موسكو و واشنطن ...والتغير الجوهري الذي طرأ بعد القمه الأخيره هو في أحسن الأحوال تجميدها حالياً بانتظار القمم القادمه لبحثها أو حصول حدث ما يكسر الجليد الذي يغلّف تلك القضايا . حالياً العلاقات في أدنى مستوى لها بين الجانبين / الروسي والأمريكي / بسبب التباين الواضح والصارم تجاه قضايا حسّاسه للغايه بما في ذلك تقيم الأوضاع في العراق و الشرق الأوسط الى جانب مسألة كوسفو والتي هدّدت موسكو باستخدام حق النقض الفيتو بشأن استقلالها ...ومعضلة الدرع الصاروخي الأمريكي التي ترى روسيا أنّ حججه واهيه تماماً...والبرنامج النووي الأيراني ....أمريكيّاً الآن / لا يتم استخدام المصطلحات الريغانيه تجاه روسيا والتي نظرت الى الأتحاد السوفياتي / في حينه / على أنّه دولة الأشرار و مملكتهم , والتي يجب محاربتها ....وفي ذات السياق , المصطلحات البوشيه المستخدمه الآن لا تدل أيضاً على انفراج كامل واستراتيجي في العلاقات بين موسكو و واشنطن .* فروسيا / أمريكيّاً / وحسب منطق بوش / ليست عدواً / بل خطراً محتملاً ...وهذا هو مبرر كاف لبوش للتمسك بسباق التسلح وبرنامج الدرع الصاروخي والذي يوجه وفقاً لواشنطن ضد ( دول مارقه ) ....و واقع الأمر يؤكد بأنّ واشنطن تنظر الى روسيا اليوم , كخصم تتعرض العلاقات معه للأحتمالات المختلفه ...ولديها قناعه مفادها أن موسكو ناشراً نشطاً للأسلحه الخطيره , والروس تجار سلاح ويبيعون السلاح مقابل المال ولكل من يريده . ومجمل هذه الحقائق تؤكد بأنّ العلاقات الروسيه - الأمريكيه تعاني من عدم الأستقرار وعنصر المفاجأه, والشيء الواضح هنا أنّ واشنطن لا تقبل بسهوله دفاع موسكو عن صفتها قوّه عظمى وشريكه على قدم المساواه في تقرير مصير العلاقات الدوليه باعتبارها عضواّ دائماً في مجلس الأمن الدولي , وتملك حق الفيتو ...وهذا يعني أنّ الأداره الأمريكيه تتمسك بالقطبيه الواحده في توجيه المنظمات الدوليه واقرار التدخل العسكري في مناطق من العالم وفقاً لمصالحها وليس وفقاً للأغراض الحقيقيه من هذا التدخل كحفظ وصيانة الأمن والسلام الدوليين/ اللذين تدافع عنهما موسكو وغيرها من الدول / وبقرار واشراف الأمم المتحده...والنماذج (المستولده) النتيجه / واضحه في كل من العراق , أفغانستان , لبنان , وفلسطين المحتله.
* روسيا و بكين تبديان معارضه شديده لموضوعة الدرع الصاروخي الأمريكي باعتباره خطراً ليس فقط على أمنيهما القومي ومجالهما الحيوي وانما لأنّه خطراً على الأمن والسلم الدوليين ويثري سباقاً جديداً للتسلح في العالم ...انّ المحافظين الجدد في الولايات المتحده الأمريكيه آرادوا فرض نمطهم في الحياة على العالم بما يمكن وصفه بأنّه نوع من ( الديمقراطيه الأمبرياليه ) وساد لديهم منطق ( القوّه بلا عقل) كأسلوب لحلول الأشكالات الدوليه , والتشدد بمعنى , امّا أن تكون معنا أو ضدنا !
ويصدق هنا على واشنطن قول الرئيس بوتين ( ..انّ الولايات المتحده الأمريكيه تحاول أن تتسيد على العالم وتستخدم القوّه دون أي ضابط يذكر , وتعمل على اثارة سباق تسلح جديد ....وصارت مثل " الرايخ الثالث" ) .
* ويشير بعض الخبراء بقوله : صحيح أنّ المصالح الروسيه – الأمريكيه تتقاطع أحياناً وهو ما يوحي بأنّ هناك تنافساً بينهما , لكن هذا التنافس ليس تحارباً , اذ أنّ التنافس يمكن حسمه بالتراضي ... والأختلافات الروسيه- الأمريكيه في ملفات / كوريا الشماليه , ايران , تسوية أزمة الشرق الأوسط , مكافحة التجاره غير المشروعه للمخدرات , ومكافحة الأرهاب الأممي / هي اختلافات في التفاصيل فقط , وان كانت الشياطين المخابراتيه تكمن في هذه التفاصيل , وهنا نعود الى المربع الأول في أساس الأختلاف وهو باعتقادي أنّ السياسه الأمريكيه , سياسه امبرياليه ...سياسة الرايخ الثالث في حينه, سياسه تهدد مستقبل الأمن والأستقرار العالمي , وتسمح باندلاع حرب بارده جديده .
* ويذهب بعض المراقبين الى القول : أنّ أمريكا على المستوى السياسي والأمني تحاول الوصول الى نوع من التفاهم مع موسكو , بحيث لا تنهار العلاقات بين البلدين , أو على الأقل تحاول واشنطن خلق وهم ما حول وجود تفاهم ما , بين البلدين .... و واشنطن تعلم جيداً أنّ النهضه الأقتصاديه التي تشهدها روسيا في عهد بوتين وفرت للكرملين امكانية التصرف على الساحه الدوليه بتحد واضح , كما ساعدت أسعار النفط المرتفعه والمستقره روسيا على تحقيق نمو اقتصادي بلغ نحو 5, 7 % , كما عمل الكرملين مرةً أخرى على تأميم قطاعات الطاقه الرئيسيه التي تعتبر عنصراً مهماً من عناصر الأقتصاد الروسي , وأكدت موسكو تأثيرها في منطقة الشرق الأوسط وعزّزت علاقاتها مع بلدان آسيا الوسطى التي تملك حقولاً كبيره للنفط والغاز يتطلع اليها الغرب بشكل عام , والولايات المتحده الأمريكيه بشكل خاص ....وهذا ما يقلق واشنطن حيال موسكو .
* فالفدراليه الروسيه معنيه أولاً بالداخل وبالوضع في الشيشان , حيث تؤكد الحقائق على أرض الواقع أنّ الحرب الشيشانيه انتهت الى غير رجعه والمهمه الحاليه والتي بدأت من فتره ليست بالقصيره هي اعادة البناء والأعمار وحض الدول العربيه والأسلاميه على مساعدة الشيشان ...فجاء استقبال الرئيس الشيشاني رمضان قادروف لممثلي ثلاثين دوله عربيه واسلاميه مؤخراً في غروزني , وهي الزياره الأولى من نوعها للجمهوريه القوقازيه ليؤكد صحة ذلك الآنف ذكره , متعهداً تقديم ضمانات قانونيه وسياسيه لحماية الأستثمارات العربيه والأسلاميه في القوقاز ....ومن بين المشاركين العرب في الزياره سفراء السعوديه ومصر والأردن وفلسطين ولبنان والعراق وعمان , ومن المشاركين المسلمين ايران .
* وقد أكد السفراء العرب والمسلمين جميعاً أنّ الوفد خرج بانطباعات قويه جداً لحجم الأنجازات الضخمه التي تحقّقت في الجمهوريه القوقازيه خلال فتره وجيزه من الزمن ,
فمن فتح مطار غروزني الذي دمرته الحرب ...الى غياب المظاهر المسلحه والحواجز العسكريه عن شوارع غروزني وضواحيها , اضافةً الى غياب قطاعات الجيش الروسي الذي آعاد انتشاره خارج المدن والتي تتولى وحدات الشرطه العاديه فرض النظام فيها وحلّت أحياء سكنيه بنيت حديثاً مكان مشاهد المباني المدمره والأطلال التي كانت المعلم الأبرز للمدن الشيشانيه خلال الفتره الماضيه ...كل ذلك مؤشرات تدل بعمق التغيرات التي شهدتها الجمهوريه القوقازيه خلال شهور خلت .
* كما أنّ الفدراليه الروسيه معنيه بمن حولها من الدول ...فليس من المعقول أن تقبل دخول جورجيا حلف الناتو أو الوحده الأوروبيه , أو أن تكون قاعده جويّه أمريكيه ...أو أن تقبل موسكو تمرد لتفيا أو لتوانيا بحيث تصبح الجمهوريتان خطوطاً أماميه لحلف الناتو , أو حتّى ان يقام درع صاروخي في بولندا وتشيكيا ...انّ روسيا اليوم مؤسسة حكم حديثه وقويه صنعها بوتين وكوادر مؤسسات الحكم السياسيه والأمنيه في موسكو....ويغادر بوتين الكرملين ويذهب الى بيته وهو مرتاح ليكمل خليفته دور القوه الروسيه الدوليه , كما يغادره بأعظم تقليد من تقاليد الديمقراطيه وهو في عزّ قوته لا ضعفه ...رجل يحترم الدستور ....بعكس الرئيس بوش الذي بدأ رئاسته بقرار من المحكمه العليا في أمريكا .
خلاصه :
سياسياً تحاول واشنطن أن تلعب مع روسيا نفس اللعبه التي تلعبها مع الصين , بالدعوه الى ( روسيا أكثر ديمقراطيه ) وضرورة اسقاط كافة القيود المفروضه على حقوق الأنسان وحرية الصحافه والوضع في الشيشان / باعتباره مسمار جحا وشمّاعه يعلق عليها ما تريده واشنطن ....ولكن خابت كل دوافع واشنطن , فالوضع في الشيشان يتطور كل يوم الى الأفضل والأحسن وهو جزء من الفدراليه الروسيه بتوافق شيشاني روسي واضح .
* الكاتب عضو المكتب السياسي للحركه الشعبيه الأردنيه
Mohd_ahamd2003@yahoo.com
www.roussanlegal.0pi.com