الفيروس لا يصيب إلا الجسد صاحب المناعة الضعيفة, وأزعم أن مناعة الاردن، شعباً وقيادة وجيشاً، أعظم كثيراً من أن ينال منها راغب بفتنة أو طامح في إضعاف, لكن ذلك لا يعني أن العمل على إضعاف المناعة الوطنية لا يسير بخطوات ثابتة ومدروسة بالضرب على المفاصل الحساسة شأن الجزارين أو اللحامين بلغتنا الدارجة, فلا يوجد مفصل حيوي لا يستهدفه فيروس الإضعاف, منذ موقف الأردن الصلب من «صفقة القرن» وما تلاها من فتن تناسلت من الفتنة الكبرى, وهذا يحتاج أكثر ما يحتاج إلى توافق وطني على أفكار خارج الصندوق والمألوف, ويحتاج أكثر إلى توزيع وتوسيع الأدوار بين مكونات وأطياف الدولة واللاعبين الوطنيين, معارضة ومؤيدين.
إن الاستعداد من حسن الفطن, سواء سار هذا السيناريو أو توقف مؤقتاً لصالح التهدئة التي يسعى إليها اللاعبون الفاعلون, بدليل موسم الحجيج إلى المنطقة, فما تحتاجه اللحظة الوطنية الراهنة والمستقبل الأردني هو نفسه الذي تحتاجه سواء سار السيناريو الأسوأ أم تعثر, فنحن نحتاج اليوم إلى مظلة يجري تحتها تذويب الهويات الفرعية والتجاذبات المناطقية والأثنية, ولدينا مشروع وطني قادر على إنتاج الحلول السياسية والاقتصادية, وهو مشروع خدمة العلم أو الخدمة الوطنية, الذي أثبت نجاحه في كثير من الأقطار التي تعيش ظروفاً مثل ظروفنا.
فرغم أن الصين لا تعتمد فكرة التجنيد الإجبارى في الجيش، لكنها صاحبة واحدة من أكفأ منظومات التدريب المهني عالي المستوى للملتحقين بالجيش، ومن هنا جاءت فكرة «جيش التنمية» التي تبناها «دينج تساو بينج» التي نقل بموجبها أهم قيم الجندية، وهي الانضباط من القوات المسلحة إلى ميادين العمل, وهو ما يجعل فكرة أن يلتحق الجندي بالقوات المسلحة لا يجيد القراءة والكتابة وأوليات الحساب، فيخرج مجيداً لها, ويلتحق الجندي بالقوات المسلحة بلا حرفة يجيدها، فيخرج منها مجيداً لها, ويلتحق الجندى بالقوات المسلحة بلا تدريب كاف في مجال تخصصه، فتصقل القوات المسلحة مهاراته في تخصصه، فيفيد منها، وتفيد منه, وهذا ما طرحه المجتمعون بقوة, من بين كثير من الافكار النوعية التي تسعى الى توسيع مروحة العلاقات الأردنية الاقتصادية والسياسية.
فلسطينيا, بدأ واضحاً ان مشروع المصالحة الفلسطينية, صعب المنال حالياً, فقد نمت على سيقان الفرقة مصالح قوية لأطراف الصراع, وليس من المتامل أن يتنازل كل طرف عن مصالحه, لكن اقتراحاً جريئاً تم وضعه على الطاولة, وهو المطارحة السياسية على وزن مطارحة الغرام, فالمصالح اليوم للفرقاء الفلسطينيين قد تستلزم اتفاقا على الحد الأدنى, والأردن قادر إذا قاد مشروعاً على هذا المستوى أن ينجز فيه مسافة جيدة قد تكون البداية للمصالحة الشاملة, لكن هذا يتطلب الانفتاح على الكل الفلسطيني, بفصائله وقواه المدنية والنقابية, دون الانحشار في زاوية السلطة الفلسطينية الضيقة, وهذا ممكن عبر ادوات شعبية وسياسية غير رسمية إن تعذر على السياسي الرسمي ذلك.
ما قدمه مركز القدس للدراسات السياسية من أرضية نظرية وما أسندته مؤسسة كونراد اديناور من إسناد لوجستي وتنظيمي, غني وثري, واظن المخرجات ستمنح العقل الرسمي والشعبي اضاءات تفتح مخارج وحلول تحتاجها اللحظة الأردنية والمستقبل الأردني, فالمشاركون من أصحاب الخبرة في مجال العمل الرسمي والشعبي والاقتصادي وممن يحملون ثقافة سياسية نحتاجها في كل وقت وليس في الأزمات فقط. .
(الراي)