فتوى المحكمة الدستورية فيما يتعلق بمنع الجرائم
شهد العدوان
15-02-2023 12:41 PM
أصدرت المحكمة الدستورية يوم 15/1/2023 قرارها الذي خلص إلى أن قانون منع الجرائم لا يتعارض مع الدستور الأردني، وإنه إذا كان هناك خلل في الممارسة والتطبيق فهذا لا يؤدي إلى إعتبار القانون غير دستوري، لكن هذا القرار لم يعالج كيف يمكن تبرير توقيف الأشخاص بإرادة الحاكم الاداري وتهديد الحرية الشخصية المكفولة في الدستور دون قرار قضائي؟.
يُعدّ التوقيف الإداري من الإجراءات الإدارية المثيرة للريبة، وهي مشكلة هذا القانون التي تتجلى بإعطاء الصلاحية لجهة غير قضائية بحبس الأفراد وتقييد حريتهم في التنقل وسماع الشهود والموافقة أو عدم الموافقة على التكفيل، بموجب قرارات إدارية فردية دون الرجوع إلى القضاء، هذه كلها صلاحيات بيد الحاكم الإداري المبنية على قناعاته الشخصية المتأثرة بخبراته العملية دون الالتزام بالضمانات التي كفلها القانون للمحافظة على حقوق الأفراد، الأمر الذي يترك مساحة للحاكم الإداري في إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها أحيانا.
ليس بالضرورة أن يكون التوقيف التعسفي مخالفا للقانون، بل يمكن أن يكون مستندا للقانون، لكن عندما لا تتم مراعاة القوانين المعترف بها دولياً فإن ذلك يجعله تعسفيا، وعندما يتم منح الحاكم الإداري صلاحية إصدار قرار التوقيف دون تحديد مدة لهذا التوقيف وفقا لقناعاته الشخصية فهذا يعتبر تعسف، الأمر الذي توكد علية المحكمة الإدارية في كل مرة تتخذ فيها قرارا بالإفراج الفوري عن موقوفين إداريين.
وبالذهاب إلى الضفة الأخرى الغربية، التي كانت تستخدم قانون منع الجرائم الأردني ولم تتخلَ عنه منذ فك الارتباط، أصدرت المحكمة الدستورية العليا في فلسطين بتاريخ 25/1/2023 قرارا بإعلان عدم دستورية بعض أحكام قانون منع الجرائم الأردني وتحديدا المواد 4 و8، واعتبرت هذه المواد تتعارض مع مجموعة من الحقوق والحريات التي يضمنها القانون الأساسي في فلسطين، منها الحرية الشخصية التي لا يمكن تقييدها إلا بقرار قضائي، وحرية التنقل، والحق بالمحاكمة العادلة، واللافت أن هذا القرار جاء نقيضا لقرار المحكمة الدستورية الأردنية الذي صدر قبل 10 أيام فقط من صدور قرار الدستورية الفلسطينية.
وملاحظ على قانون منع الجرائم أنه في كثير من الأحيان يُعطل تطبيق كل من قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية، حيث إن بعض المخالفات التي يقوم بها الأفراد ويحالون بناء عليها إلى الحاكم الإداري لينتهي بهم الأمر بإخلاء السبيل مقابل توقيع تعهد أو تقديم كفالات، هي أفعال وردت عقوباتها في القوانين السالف ذكرها وقد تصل هذه العقوبات إلى سنتين من الحبس أو أكثر.
من الواضح أن قرار المحكمة الدستورية اعتمد على المعيار الشكلي فقط في الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة، حيث اكتفت المحكمة الدستورية بقول “إنه يجوز للحريات أن تقيد بقانون” دون الدخول بأي تفاصيل أخرى في قرار من 7 صفحات في مجمله سرد للنصوص القانونية، متجنبة أيا من التحليل المتأني والدقيق لنصوص القانون وممارساته العملية على أرض الواقع وأثرها على المجتمع وعلى السلطة القضائية والتنفيذية، وتجدر الإشارة إلى أن قرار المحكمة لم يشر إلى الاتفاقيات الدولية، فقد سبق للمحكمة أن أشارت إلى الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان لتعزيز النتيجة التى توصلت إليها مثل القرار التفسيري رقم 6 لعام 2013.
في النهاية فإن قانون منع الجرائم رقم 7 لعام 1954 وإن كان ضروريا وله مبرراته، فإنه أصبح لا يتناسب مع طبيعة المرحلة التي وصلت لها الدولة الأردنية، وهناك حاجة ملحة لتعديل نصوصه لكي تتناسب مع طبيعة المرحلة، ذلك أن صلاحيات الحكام الإداريين المستمدة من القانون غير محددة بشكل واضح وفق معايير قابلة للقياس والتعميم، ويخلق تباينا في القيم المادية لسندات الكفالة، حيث إنه يجب أن تحدد سقوف عليا ودنيا لكل من الكفالات ومدد التوقيف والإقامات الجبرية وربطها بقضايا أو مخالفات محددة وبعلاقة طردية.